الخطر على حدودنا الشرقية

من المسلمات أن الدفاع عن الأمن القومي يتخطى في حدوده الجغرافية حدود الدولة نفسها ليطال مساحات جغرافية قد تبعد مئات الأميال، و لكنها رغم بعدها في بعض الأحيان تحتوي على نفس الخصوصيات الثقافية و التاريخية للدولة و تلقي تداعيات التطورات السياسية فيها بظلالها على كل محيطها الإقليمي ، فكيف إذا كان هذا المؤثر الرئيسي على أمنك القومي يقع مباشرة على حدودك الشرقية حيث يختلط التاريخ بالجغرافيا و يمتزج سكان بامكو مع قاطني باسكنو. 

هنا سيظهر أمامنا سؤال منطقي يفرض نفسه بقوة و إلحاح ! قد تكون هذه الحقائق غائبة عن السواد الأعظم من الرأي العام ، و لكن هل هي غائبة بالفعل عن ذهن صانع القرار ؟ 

جدوائية طرح هذا السؤال في علم المنطق تستمد شرعيتها من كون الأحداث التي نراها تتفاقم و تتطور بشكل سلبي و متسارع على حدودنا الشرقية تبدوا و كأنها نتاج كمٍّ كبير من الارتجالية و ضبابية الرؤية السياسية.

لقد قتلنا هناك مرارا وتكرارا ، بشتى الطرق و الأساليب : إعدامات ميدانية ، خطف من على آبارا المياه ، حرق للجثث ، ذبح و تمثيل بأجساد الشهداء و لم تفلح الوفود ولا بيانات الإحتجاج الرسمية و لا زيارات وفود بامكو و لا تقديم واجب العزاء في منع تكرار مثل هذه الحوادث حتى باتوا يألفون و دخلنا نحن في خانة التعود ! و دفع الأبرياء الثمن من دمائهم ! 

إن الجواب على هذا السؤال بسيط بالرغم من صعوبته ، صانع القرار السياسي يمر بثلاثة مراحل لاتخاذ الإجراءات اللازمة و الصحيحة ، يجب أولا أن يمتلك المعلومة الصحيحة ثم يجب أن يفهمها فهما صحيحا ثم بناء على الفهم و التحليل الصحيح يتخذ القرار الصائب ، و متى ما اختلت حلقات إحدى هذه السلسلة يقع المحظور وتكون نتائج القرارات السياسية سلبية.

في مالي الشقيقة التي يجمعنا بها أكثر من ما يفرقنا ، تعيث مرتزقة فاغنر فسادا و قتلا ليس بحق جيرانها الموريتانيين فقط و لكن أيضا بحق اتنيات الشعب المالي نفسه و تنفذ سياساتها الخاصة بها و هي التي حاولت في يوم من الأيام تنفيذ إنقلاب على روسيا الأم نفسها و زحفت نحو موسكو ، الشيئ الذي أدى لحدوث خلافات كببرة داخل الجيش المالي .

الأوضاع الاقتصادية و الحالة الإجتماعية تتدهور يوما بعد يوم و الصراع العبثي بين معسكر الشرق و الغرب الذي أدخل الانقلابيون فيه أنفسهم ظنا منهم أن الملجأ للحصول على الإستقلال التام و تحسين الأوضاع الاقتصادية يكون عبر الارتماء في أحضان سيد الكرملين بات أولوية الأولويات بحيث لم تعد الكهرباء و لا القضاء على الجماعات المتطرفة و لا إخراج البلاد من أتون حرب أهلية بين الجنوب و الشمال و لا تدارك انهيار الوضع الاقتصادي في صلب اهتمامات حكام بامكو ، و من الذي يدفع الثمن من أمنه و دمائه ؟ إنه الشعب المالي البريئ .

و بمناسبة استشهاد عدد من الموريتانيين قبل يومين على يد مرتزقة فاغنر و أفراد من الجيش المالي لا يسعنا إلى أن نقدم التعازي للأهل و نقول انه كان بالإمكان احسن من ما كان لتفادي تكرار هذه الحوادث .

هذه هي الوضعية باختصار شديد على حدودنا الشمالية ؟ فماذا أنت فاعل يا سيد القصر الرمادي في نواكشوط ؟ هل نكتفي بمحاولة علاج النتائج في كل مرة أم ننتقل إلى مرحلة الدفاع الإيجابي و نضع استراتيجية سياسية و أمنية و اقتصادية لحماية أرواح شعبنا على الحدود الشمالية و الدفاع عن أمننا القومي بشكل فعال ! 

أود أن أختم هذا المقال بتقديم مقترح لمن يهمه الأمر إن كان يهمه فعلا بتنظيم أيام وطنية يشارك فيها مختلف الأطر و المثقفين و الفعاليات الاجتماعية لتقديم مقترحات و صياغة رؤى واضحة لكيفية الحفاظ على أمننا القومي داخل حدودنا و خارجها و وضع استراتيجية لموريتانيا ما بعد 50 سنة من الآن.

 

حسين حمود

إضافة تعليق جديد