رد على مغالطات وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم

هذا توضيح للرأي العام الوطني وللجهات العليا في البلد ولغيرهما من المهتمين، مداره على رد مزاعم وتدليسات وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي حول قانون النوع، وحول الهبة الشعبية الرافضة لفرض هذا القانون الآثم.

نحن نتحدث عنه باعتباره قانونا، باعتبار ما يريد وزير الشؤون الإسلامية أن يفرضه ضمن فريق من أركان هذا النظام وغيرهم، من هيئات المجتمع المدني وغيرها، فضلا عن الجهات الخارجية المشبوهة التي تقف وراءه.

أريد هنا أن أؤكد لمعالي وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي أن العلماء الذين قادوا هذه الهبة، وخرجوا على رأسها هم علماء أجلاء يعرفون القانون والشريعة ومآلات الأمور، وقد قرأوا هذه المسودة بالكامل، وليس كما يزعم الوزير مجرد مزايدات ومغالطات ممن لم يقرأ هذه المسودة ولا علاقة له بها ولا يفقه فيها شيئا.

بالعكس، هم على دراية بها. وقد تصدر هؤلاء فريق من مشاهير القضاة وقدمائهم ومتمرسيهم وآباء القضاء الموريتاني، من أمثال العلامة القاضي المصطفى ولد ببانة الملقب أبين، والعلامة القاضي سيلوم ولد المزروف، والعلامة القاضي أحمد شيخنا ولد أمات، والعلامة القاضي محمد يحظيه ولد مختار الحسن.. كل هؤلاء يعرفون من خفايا القانون وأسراره ما لا يطلع عليه كثير من أهل هذه المهنة.

وكذلك تزعم هذا الحراك فريق آخر من العلماء الأجلاء من أمثال العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو، والعلامة إبراهيم ولد يوسف ولدالشيخ سيديا، والعلامة النووي ولد اجدود، والعلامة أحمدو ولد امرابط، والعلامة محمد محمود ولد أحمد يورة ولد الرباني والعلامة محمد الأمين ولد الطالب يوسف.. ويضيق المقام عن حصر كل هؤلاء، يضيق المقام عن حصر العشرات بل المئات من العلماء والمشايخ الذين أصدروا فتاوى جماعية، مثل فتوى العلماء والأئمة والخطباء، وفتوى علماء كرو ومشايخه، وفتوى المنتدى الإسلامي وغيرها من الفتاوى، أو أصدروا بيانات وتوضيحات شخصية منظومة أو منثورة مسموعة أو مكتوبة..

كل أولئك لا يمكن للوزير أن يلبس فيصورهم مجرد غوغاء يتحدثون في ما لا يعرفون ويتكلمون فيما لم يقرأوا، وأنها مجرد مزايدات ومغالطات، هؤلاء أكبر من المغالطات والمزايدا، معالي الوزير.

المغالطة والمزايدة معالي الوزير يمكن أن تتجلى في نكرانكم أن هذا القانون هو قانون النوع، وزميلكم في الحكومة مفوض حقوق الإنسان المعني المباشر بهذا الملف يقول في خطابه في نفس الورشة التي كنتم تتحدثون فيها إن هذا القانون قد عرض سنة 2017 و2018 وأن الحكومة قد سحبته في كليهما، لاطلاعها على مخالفات شرعية فيه، وأنه الآن قيد التنقية، ويصرح بأنه هو هو، وتلك هي الحقيقة التي ينبغي أن تقر بها معالي الوزير، ولا تكابر في إنكارها كما كابر آخرون.

معالي الوزير..

كونه ليس قانونا مستجلبا تحت الضغوط الغريبية يكفي في الرد عليها أن تقرؤوا ديباجته، ولعلك لم تقرأها، ففيها أنه مستلهم من الاتفاقيات الدولية، بل يكفي فيه أن تتفهم ما قلته أنت بلسانك وبتصريحك في تلك الورشة من أنه ستتم المصادقة عليه لأنه ينسجم مع التزامات موريتانيا الدولية، وأنه ستغير قوانينا الوطنية لتتلاءم مع تلك الاتفاقيات.

أليس هذا كافيا منك لو فهمته وفهمت أن الناس فهموه وسمعوه من فيك، أليس هذا كافيا لأقرار أنه إملاءات غربية، وأنه ليس نابعا من حاجة وطنية ملحة، وليس نابعا من أحكام شرعية.

المغالطات - معالي الوزير - أن تشبه هذا القانون من حيث المبدأ بقانون مدونة الأحوال الشخصية أو القانون الجنائي أو القانون المدني أو غيرها.. وتقول نحن من حيث المبدأ نقبله. لا، نحن نرفضه من حيث المبدأ، لأنه مبني على مبدإ يتنافى مع ملتنا الإسلامية وفطرتنا الإنسانية، وهو مبدأ نفي الفارق مطلقا بين الذكر والأنثى.

نفي الفارق يعني إلغاء كل الأحكام الشرعية التي أنزلها الله سبحانه تعالى موجهة إلى المرأة دون الرجل، أو إلى الرجل دون المرأة.. فبنفي هذا الفارق ينسف هذا القانون بمبدئه كثيرا من الأحكام الشرعية، فهذا يجعله بعيدا من القوانين الأخرى التي هي تنظيم مستمدة من الشريعة الإسلامية، بينما هو تنظيم مستمد من اتفاقية سيداو، وليس له علاقة بالشريعة البتة، بل هو ناسف لكل أحكامها ومبادئها وقيما وسلوكها.. مبيح لكل أنواع الشذوذ الفجور والعهر والدعارة وغيرها.

 

معالي الوزير هذه هي المغالطة بعينها.

المغالطة - معالي الوزير - هي تسمية هذه المسودة بـ"قانون الكرامة".

المغالطة أن تذكر أنت في مقدمة كلمتك الأمهات، ولم يذكر هذا القانون الأمهات بشيء، لم يذكر البر بشيء، لم يذكر إكرام الأمهات بشيء، لم يعاقب أي بنت ولا ولد على العقوق.. وكأن العقوق ليس عنفا ضد المرأة، لأن الأم لا تستحق في فلسفته التكريم، وإنما المكرم فيه هو الفتيات ومن يطمع بإخراجهن للفسوق والفجور، أما الأمهات والعجائز فلا حق لهن في هذا القانون ولا كرامة.

المغالطة - معالي الوزير - أن يسمى هذا القانون بغير اسمه، وكان الواجب أن يسمى "قانون النشوز والعقوق"، وإذا أردتم تحسين هذه العبارة وتلطيفها فلتقولوا معالي الوزير: "قانون بر الزوجة والبنت وطاعتهما".

المغالطة - معالي الوزير - أن تبلغنا رسالة من فخامة رئيس الجمهورية بأن الحكومة لن تجيز أي قانون فيه كلمة واحدة مخالفة لشرع الله. وهي رسالة نرحب بها ونعتز بصدورها من فخامة رئيس الجمهورية، ونتمسك بها في انتظار تطبيقها.

لكننا ندرك أن المغالطة - معالي الوزير - هي أن تبلغنا هذه الرسالة، ثم تقول الكلام الذي قلت مما يوحي بأنك ستقول أمام الرئيس وأمام الرأي العام وأمام كل جهة إن هذا القانون بمسودته التي قلت إنها سيصادق عليها وفاء بالتزامات موريتانيا الدولية، ستقول إنها موافقة للشريعة الإسلامية، وإنه ليس فيها كلمة واحدة مخالفة للشرع.

بل قد قلت ذلك ضمنا حين قلت إن النظر والمبحث منحصر في موافقة موادها للشرع لا من حيث المبدأ ومبدؤها مخالف للشرع فأنى يستقيم البنيان على أساس معوج منهدم متهالك متهافت؟!

 

معالي الوزير..

لم يعد رصيدك من الثقة عند جمهور عريض من الفاعلين في هذا القطاع، في عموم التراب الوطني يسمح لك بالبقاء في هذا المنصب، فعليك أن تستقيل وتريح نفسك، لأنك لم تؤد الأمانة التي حملك رئيس الجمهورية حين ذكرت – مرارا وتكرارا - أنه عهد إليك بأن لا تنفذ أي أمر صادر عنه ما دمت تراه مخالفا للشريعة، فكيف بك تنفذ أوامر لم تصدر عنه، وتعمل على تكريس قوانين باطلة لم يجزها عالم حتى الآن، حتى الجهات الرسمية في الدولة رفضتها، وحتى الجهات شبه الرسمية في الدولة رفضتها، وبينت عوارها وبينت مناقضتها للشريعة.

معالي الوزير عليك أن تستقيل، فلم يعد لك من الثقة والرصيد ما يسمح لك بالبقاء على رأس قطاع حيوي وحساس وسيادي مثل قطاع الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، ولم يعد وجودك هنا مساعدا على الثقة في هذا النظام، لا من مقربيه ولا من المحايدين، أحرى ممن لهم رأي آخر.

 

معالي الوزير..

عليك أن تتوب إلى الله تعالى، وتجعل ولاءك لله، وتستغل الفرصة التي منحت لك للتمكين لهذا الدين، وليس التمكين لقانون سيداو ولا التمكين للمرأة، بل التمكين لدين الله ولأحكام الله، فإذا مكن لذلك فقد مكن للمرأة بما يبيح لها الشرع، ومكن للرجل بما يبيح له  الشرع.

أما المغالطات والمزايدات وترويج نفي الفارق بين الجنسين، والسعي لمنع كافة أشكال التمييز ضد المرأة.. فمنع جميع أشكال التمييز ضد المرأة مناقض للشرع، ومنع جميع أشكال التمييز ضد الرجل مناقض للشرع، ومنع جميع أشكال التمييز ضد الرئيس مناقض للشرع، ومنع جميع أشكال التمييز ضد الوزير مناقض للشرع، ومنع جميع أشكال التمييز ضد المواطن العادي مناقض للشرع.. لأنه لكل رتبة ولكل صنف ولكل جنس حقوق تخصهم دون غيرهم وواجبات تترتب عليهم وحدهم.. فإذا سوي الرئيس والبواب في الحقوق والواجبات فقد ضاعت الحياة وانفرط عقد النظام وأصبحنا همجا سواسية في الفوضى وعدم الإنسانية، ولسنا سواسية في قيم ولا أخلاق.

وأكتفي بهذا القدر الآن، وأرجو أن تكون له آثار في نفسك وضميرك، وأن تدرك أنك محتاج إلى إنقاذ نفسك قبل فوات الأوان.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 نواكشوط؛ الخميس 18 ربيع الأول 1445هـ

الموافق 05 أكتوبر 2023 م

إضافة تعليق جديد