انعقدت في بروكسيل اليوم ٣٠/٠٨/٢٠٢٢ندوة تحت عنوان ” التعاون فالإسلام ” من تنظيم جمعية رسالة السلام باسبانيا , وقد جمعت الندوة عددا كبيرا من المفكرين والمهتمين بالمواضيع التي تتناولها الندوة، وركز المؤتمرون على ضرورة تصحيح وتصويب الخطاب الديني والرجوع الي الفكر التنويري الصحيح والتمعن في قراءة كتب المفكر الاسلامي علي محمد الشرفاء الحمادي والتي رسمت طريقا واضحة المعالم ، لخروج الأمة الإسلامية من مأزقها الذي تعاني منه ، وعلى وجوب العودة إلى القرآن شرعة ومنهاجا، كما ألقوا الضوء على مكانة حقوق الإنسان والتعايش في الإسلام.
وفي هذا الصدد تحدث الأستاذ حي معاوية حسن عن موضوع “القرآن شرعة ومنهاجا”، ومن أهم النقاط التي قدم ما يلي:
“أنزل الله كتابه القرآن الكريم ليهدي الناس لكل ما يحقق لهم الخير والصلاح والسعادة والسلام في الحياة الدنيا، ويجنبهم أهوال عذاب يوم القيامة للكافرين الذين ضلوا طريق الحق، وتكبروا عن تطبيق آياته وإرشاده لهم إلى طريق الخير والرشاد.
عندما يفهم المسلمون هدي القرآن ويدركون مقاصد آياته، التي تدعوهم للتمسك بشريعته ومنهاجه، لتحقيق سعادة الإنسان في الحياة الدنيا، وتكفل لهم الجزاء الأوفى يوم القيامة، عن طريق الالتزام بشرعته عملا بها وبمنهاجه سلوكا في التعامل بين الناس جميعا، فإنهم سوف يفوزون لا شك في الدنيا والآخرة.
رسالة وهدف القرآن جاءت واضحة، حددها قوله تعالى: (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء: 9) .
الهداية إلى الطريق المستقيم هي مخ رسالة الإسلام ومنهاجه وشرعته.
ونتيجة فهم المسلم لهذه الرسالة هي أن يعلم ويزكي نفسه: (كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ) (البقرة :151).
وتطبيق منهج القرآن وشرعته ليس بالتلاوة وحدها، بل يجب مع ذلك التدبر في آياته، والتعرف على شريعته ومنهاجه اللذين سيطبقهما الإنسان في حياته في كل مكان وزمان، بعد أن يدرك بتدبره مقاصد الآيات لمنفعة الإنسان في يومه وغده، ويعرف التزاماته تجاه خالقه.
قال تعالى: (هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)( الحديد:٥٧).
ولذلك على الإنسان أن يعرف أن عليه رقيبا على أعماله وتصرفاته في كل مكان أو زمان، كما قال الله سبحانه (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ) (يس :١٢).
وهذا هو دورنا كمرشدين ومصلحين ومجسدين للخطاب الإلهي”.
أما الأستاذ الحاج ولد محمد الأمين مدير مكتب رسالة السلام باسبانيا فقد كانت مداخلته حول تصويب الخطاب الديني، ومما جاء فيها:
تصويب الخطاب الإسلامي:
“بات من الضروري تصحيح مصطلح «الخطاب الديني»، ليكون «تصويب الخطاب الإسلامي»، لأهمية ذلك في تحديد المقصود بأن الخطاب هو «الخطاب الإسلامي» الذي يعتمد التفكّر في رسالة الإسلام وهو القرآن الكريم الذي تشع آياته علمًا ونورًا، حرية وسلامًا، إحسانًا وتسامحًا، رحمة وعدلًا، أمانة وعبادة، تعاونًا وتكاتفًا.
فالخطاب الإسلامي الذي أنزله الله تعالى على رسوله الكريم في كتاب مبين لا يُجدد، لأنه ليس بقديم أو تقادمت عليه القرون وأصبح من الضروري تجديده. فرسالة الإسلام ستظل كما أنزلها الله على رسوله إلى أن تقوم الساعة، وقد تحدى الله عباده فيمن تكون لديه القدرة على أن يأتي بآية من عنده بقوله سبحانه: «قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا» (الإسراء: 88).
وقوله سبحانه: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» (يونس: 38).
تصحيح مصطلح الخطاب الديني هو المصطلح السليم،لذلك سيظل القرآن حيًا يتفاعل مع الأحياء في كل العصور، يتّبع المهتدون من خلاله نور الله ليخرجهم من ظلمات النفوس وأمراضها وتوحشها إلى نفوس راضية مطمئنة، تتنزل عليهم البركات والرحمة لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
يجب اتفاق الجميع على تصويب الخطاب الديني، وتطهيره مما علق به من رواسب لا تنتمي له ولا تنسجم معه.
إن أي خروج على كتاب الله الذي يؤمن به جميع المسلمين سيؤدي إلى فشل ذريع وخطير قد يقفل الباب نهائيًا نحو تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الناس عن الإسلام.
وقد حذرنا سبحانه جميعًا فى قوله: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» (البقرة: 159) من كتمان ما نعلم من الدين، وواجبنا تبيين الصواب للناس جميعا.”
أما الأستاذ احمد محمد فقد تحدث عن حال المسلمين في الغرب، وقال “
نتيجة التصورات الخاطئة عن الإسلام التي وقف خلفها من لم يفهموا الدين الإسلامي على حقيقته، وجدنا أنفسنا نصطدم هنا بفهم مختلف عن الإسلام الصحيح.
لقد وجدنا أنفسنا مجبرين على العمل على أكثر من جبهة لنقنع الناس أن الإسلام ليس رقالة قتل وإقصاء للمخالفين.
وبينا لهم أن الإسلام دين رحمة وحب وعدل ورحمة، وليس من تعاليمه القتل على خلفية المخالفة.
وقد بدأ الناس يفهمون ذلك، لكن الرسالة تتطلب مزيدا من نقل صورة الإسلام وتجسيد النماذج الحقيقية للإسلام الصحيح، وهو عمل يجب أن يتكاتف عليه الجميع”
أما الأستاذ والباحث نيفين والمان فقد تحدث عن حقوق الإنسان ومن بين ما قال:
“تركز الديانات السماوية ومن بينها الإسلام على احترام حقوق الإنسان، وتعتبر الكرامة الإنسانية من أول مرتكزات الخطاب السماوي الصحيح.
لقد جاءت اليهودية والمسيحية والإسلام لإنقاذ الإنسان وهو ما تجلى في الكتب السماوية.
في القرآن: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)
وفي الانجيل يقول المسيح (إذا صفعك أحدهم على خدك الأيمن فمرر له خدك الأيسر).
بل تجاوز الأمر الرفق بالإنسان واحترامه إلى الرفق بالمخلوقات، وهو ما يجسد رسالة الرحمة التي أرستها الديانات السماوية.
لا يجوز الاعتداء على حرية وكرامة أي إنسان ظلما حسب تعاليم تلك الديانات”.
أما الأستاذ فرنسوا برنار فقد تحدث عن التعايش وقال:
“تحترم الديانات السماوية البشر من حيث هم بشر، وقد أرست أسسا مكينة للتعايش بين مختلف الديانات، وفيما يتعلق بالإسلام جسدت وثيقة المدينة أول تعايش حقيقي في احترام وتقدير لكل المعتقدات وأهلها.
وقد عاش جميع أتباع الديانات تحت الحكم الإسلامي أحرارا متمتعين بحقوقهم الدينية والاجتماعية والسياسية دون أي مضايقة.
غير أن الكراهية حدثت خلال الفترات الحديثة نتيجة بعد الناس عن الفهم الصحيح للإسلام”.
وفي نهاية الندوة كانت هناك عدة مداخلات للحضور تمحورت حول ضرورة تنظيم هذا النوع من الندوات الفكرية.