تشعر العشرينية الموريتانية سهام يحيى بالندم على قبولها التواصل مع حساب لشاب، تعرفت عليه عبر مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” في فبراير 2016، بعدما أوهمها بالزواج وتخلى عنها، عقب تواصلهما بشكل مرئي دون معرفتها بأنه يسجل اللقاءات بالصوت والصورة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، كما تقول يحيى التي طلبت تعريفها بهذا الاسم حفاظا على خصوصيتها، إذ بدأ يبتزها ويهددها بنشر مقاطع تواصلهما في مجموعات على “فيسبوك” إذا لم تدفع له 16 ألف أوقية موريتانية جديدة (450 دولارا أميركيا)، كما تقول بحزن وخجل يغمران ملامحها: “خشيت من الفضيحة، وجمعت المبلغ عن طريق قريبات وصديقات وأرسلته له، وأغلقت حسابي خوفا من عودته لابتزازي مرة أخرى عبر حساب جديد واسم مستعار، لكن لا أعلم ماذا يمكن أن يحدث في المستقبل”.
وتتشابه معاناة يحيى مع حالات عدة رصدتها المرشدة الاجتماعية مريم محمد سالم، والتي تعمل في مركز إيواء النساء ضحايا العنف (منظمة مجتمع مدني) بنواكشوط، مؤكدة لـ”العربي الجديد” أن متوسط ما يتلقاه المركز من بلاغات لفتيات وقعن ضحايا للابتزاز الإلكتروني عبر مجموعات أو صفحات على فيسبوك، يصل إلى بلاغين أسبوعيا، في ظاهرة مجتمعية متنامية كما تؤكد مصادر التحقيق وإفادات خمس فتيات، وافقن على دفع المال للمبتزين حتى لا يتعرضن للفضيحة هن وأسرهن، وفق تأكيدهن لـ”العربي الجديد”.
منذ عام 2016، تتابع المرشدة الاجتماعية سالم تنامي ظاهرة الابتزاز الإلكتروني للفتيات في موريتانيا، وتتراوح أعمار الضحايا ما بين 15 و17 عاما وهي الفئة الأكثر تضررا، ثم اللواتي تقل أعمارهن عن الثلاثين عاما، نتيجة استغلال المبتزين لرغبتهن في التعارف من أجل الزواج وخوض تجربة تكوين أسرة، وللأسف تخضع الفتيات حتى لا يتم التشهير بهن وبالعائلة، وفق ما تؤكده الباحثة خديجة محمد المختار، الحاصلة على درجة الماجستير في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط الحكومية في 26 ديسمبر 2017، بعنوان “المرأة والجريمة الأخلاقية في موريتانيا”.
ولا تقتصر الظاهرة على الغرباء إذ يمكن وقوعها داخل النطاق العائلي، مثل ما جرى مع لمينة أحمد (اسم مستعار للحفاظ على خصوصيتها) البالغة من العمر 19 عاما والتي تعرضت للابتزاز الإلكتروني من ابن خالتها في سبتمبر 2020، بعدما نكث بوعوده بالزواج بها، عقب حصوله على صور خاصة لها وإجراء محادثة مرئية معها، وراح يهددها بنشر صورها إن لم تدفع له 40 ألف أوقية جديدة (1200 دولار)، وفق روايتها، مضيفة أنها لم تكن تملك أي مبلغ لكي تدفعه له، فعرضت عليه هاتفها الجوال وبالفعل أخذه وأخبرت الأسرة بأنها فقدته، كما تقول.
وتكرر الأمر مع العشرينية صفية الشيخ (اسم مستعار حفاظا على خصوصيتها)، إذ تعرضت للابتزاز الإلكتروني لكن لمرتين من نفس الشخص عبر “فيسبوك”، ودفعت له في المرة الأولى 20 ألف أوقية جديدة (600 دولار) وفي المرة الثانية، 10 آلاف أوقية جديدة (300 دولار)، مقابل عدم نشر صورها ومقاطع الفيديو، كما قالت .
وانضمت صفية لمجموعة على “فيسبوك” في شهر أكتوبر 2019 وتعرفت على شاب أرسل لها صورا لمنزله وحياته، وردت بإرسال صورها ومقاطع فيديو من يومياتها الخاصة في المنزل، “وبعدها بدأ ابتزازه ووافقت مضطرة ودفعت له مبلغا من المال، وبعد مرور شهرين اختفى الحساب، وظننت أنه ذهب في حال سبيله، لكنه عاد إلى محادثتي في المرة الثانية من حساب آخر، قبل أن يفاجئني أنه نفس الشخص الذي ابتزني في المرة الأولى”.
إحجام عن التقدم بشكاوى ضد المبتزين
تتزايد نسبة الجرائم الإلكترونية في مقابل إجمالي ما ترصده الأجهزة الأمنية الموريتانية شهريا، وفق تقديرات مصدر مسؤول في جهاز الدرك الوطني (رفض الكشف عن اسمه للموافقة على الحديث)، قائلا : “مواجهة الظاهرة تحتاج إلى إقدام الضحايا على الإبلاغ، إذ نجد صعوبة في التعامل مع الأمر بسبب عدم الإبلاغ عن حالات الضرر وتقديم الأدلة على ذلك”.
وتندرج تلك الجرائم تحت قانون مكافحة الجريمة السيبرانية رقم 007 لسنة 2016 كما يوضح عبد الله ولد الطالب أعبيدي، المدير المساعد السابق للأمن العام الموريتاني، قائلا : “يتعلق القانون بالجنايات والجنح المرتبطة باستخدام تقنيات الإعلام والاتصال، وتشمل المساس بالأفراد كنشر الصور، والمساس بالحياة الخاصة، والمساس بالأموال؛ كالنصب وبيع وشراء البضائع المقلدة والغش بواسطة وسائل الدفع والتجسس على الشركات وقرصنة أجهزة الحاسوب ومواقع الإنترنت وسرقة البيانات الحساسة والمعلومات الشخصية كالبيانات البنكية”.
وتنص الفقرة الأولى من المادة 24 من قانون مكافحة الجريمة السيبرانية، على أنه “يشكل مساسا متعمدا بالحياة الشخصية: التسجيل عن قصد دون علم الأشخاص المعنيين بأي وسيلة سواء كانت صورا أو أصواتا أو نصوصا بغية إلحاق الضرر بهؤلاء الأشخاص، ويعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من مائة ألف إلى مليون اوقية قديمة أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
وتنص الفقرة الثانية من نفس المادة على أن يعاقب من يقوم عن قصد بنشر، عبر نظام معلوماتي، تسجيل الصور أو الأصوات او النصوص المذكورة في الفقرة السابقة بالحبس، من بين أمور أخرى، من شهرين إلى سنة وبغرامة من 200 ألف إلى 2 مليون أوقية قديمة، أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
لكن لماذا تتنامى هذه الظاهرة رغم تلك العقوبات؟ يجيب الدكتور محمد عبد الجليل الخبير القانوني والأستاذ بالمدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء بنواكشوط، قائلا : “ضعف الوعي بأهمية الاحتكام إلى القضاء، وضعف الثقافة القانونية لدى الأفراد والأسر تؤدي إلى استمرار انتشار وتفشي تلك الجرائم بسبب الخوف من الفضيحة”.
ومن واقع خبرتها تضيف المرشدة الاجتماعية مريم سالم، صعوبة توقيف وتتبع المبتزين بسبب محو الطرفين للمحادثات (سواء المبتز أو الضحية)، وتغيير شرائح الاتصال والهواتف باستمرار، من أجل تخلص الطرف الأول من أدلة جريمته والطرف الثاني لضعف الوعي بطبيعة تكنولوجيا التواصل وأهمية الحفاظ على الدليل الرقمي، وتلجأ الضحية إلى دفع المال، تفاديا للاتهام بالمسؤولية عن الفضيحة، إذ جرت العادة في العرف الاجتماعي بأن الشاكية متهمة حتما، حسبما تقول الباحثة خديجة المختار.
تأهيل الضحايا نفسيا
ما تزال جرائم الابتزاز الإلكتروني واستهداف المستخدمين قيد دراسة الأجهزة الأمنية، لتحديد كيفية التعامل معها ووقف تناميها، بحسب المصدر العامل في جهاز الدرك الوطني، مشيرا إلى أن الجهود ماتزال في بدايتها من أجل تحديد آلية التعامل.
ويحذر المهندس الحاج ولد محمد، المختص في نظم الحماية والشبكات المحلية من خطورة البيانات الشخصية الموجودة على الهواتف، خاصة في حال الرغبة في بيع الجهاز أو إصلاحه، وحتى الملفات المحذوفة يمكن استعادتها عبر برامج مثل برنامج iMyFone DBack، مشيرا إلى أن عمليات بيع وشراء الهواتف المستعملة مخاطرة بالبيانات والملفات الخاصة، وقد تعرض أصحابها للابتزاز الإلكتروني من طرف من يقع الهاتف في يده، حسب قوله.
وبالفعل فإن فائزة منت الداه (اسم مستعار للحفاظ على خصوصيتها) فوجئت في يونيو 2020 باتصال يخبرها بأنه اشترى هاتفها من البائع واستعاد ملفاتها الشخصية، خشية عليها وفق ادعائه، “وهددني لاحقا بنشر ملفاتي الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي إذا لم أدفع المال، مقابل الحصول على هاتفي وبياناتي، ودفعت له 23 ألف أوقية جديدة (620 دولار) حتى لا ينكشف أمري وتفسخ خطوبتي”.
وأثرت التجربة على منت الداه التي التقاها معد التحقيق في مركز إيواء النساء ضحايا العنف، حيث تتلقى جلسات تأهيل نفسي، وهي واحدة من الخدمات التي يقدمها المركز للفتيات اللواتي تعرضن للابتزاز الإلكتروني بحسب المرشدة الاجتماعية مريم سالم، والتي تسعى وزميلاتها إلى توفير المؤازرة النفسية والمعنوية للضحايا من خلال ارشادات تساعدهن على النهوض من جديد والتعامل بحذر على الفضاء الإلكتروني.
محمد المـامي / العربي الجديد