قد جاء في الخطاب الشرعي لنا جميعا ولك، ودون مخصص من الشرع يخصصه، حيث إن الخطاب لرسولنا صلى الله عليه وسلم، وهو الخطاب الموجه للأمة كلها؛ اذا لم يكن مما يخُصُّه عليه أفضل الصلاة ازكى التسليم، في نفسه (خالصة لك) فكان الخطاب بالحكم بين الناس بالحق، خطاب لكل حاكم، وهو خطاب لك يا ول الغزواني؛ يقول جل في علاه: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) صدق الله العظيم.
يقول: "ولا تكن لمن خان مسلما أو معاهدا في نفسه أو ماله خصيما" تخاصم عنه، وتدفع عنه في وجه من طالبه بحقه، الذي خانه فيه.
وهو الأمر الذي يوجب عليكم سيادة الرئيس؛ ترك الخصومة في كل تسيير للجهات المختصة من مفتشين وسلطات قضائية، للحكم فيه بالحق بين المطالبين بالحقوق وغريمهم الحقيقي (هذا الشعب المظلوم).
وقد جاء الخطاب لك مرة أخرى، بخصوص الأجهزة التى يستعين بها على الأمانة، وما أدراك ما الأمانة، ومن يجب أن تكلفهم ببعضها، وهذا التكليف هو جزء من ذات الأمانة التى استأمنك الله عليها، في كلام ربنا جل جلاله، على لسان ابنة نبي الله شعيب، حيث خاطبته قائلة، قال الله تعالى حكيا عنها: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) وتعني بقولها: استأجره ليرعى عليك ماشيتك كما قال المفسرون.( إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) تقول: إن خير من تستأجره للرعي القويّ على حفظ ماشيتك والقيام عليها في إصلاحها وصلاحها، الأمين الذي لا تخاف خيانته، فيما تأمنه عليه.
وهو خطاب أيضا يجعلك في حرج شديد، من اولئك الذين جربوا ولم يكن تسييرهم بتسيير القوي في الحق، ولا الأمين في تأدية أمانته، وايصال الحقوق لمستحقيها.
وهنا أربأ بالقائد الذي يؤمل منه الجميع تسييرا مغايرا لما كان عليه الأمر في السابق؛ أن يكرر نفس التجربة فيكون الغنم لهؤلاء والغرم عليه.
وقد أخرج الإمام مسلم وأحمد عن أبي ذرٍ رضي الله عنه، قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَىَ مَنْكِبِي. ثُمّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرَ إنّكَ ضَعِيفٌ وَإنّهَا أَمَانَةٌ، وَإنّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلاّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقّهَا وَأَدّى الّذِي عَلَيْهِ فِيهَا. ومعنى الضعف الوارد في الحديث هو العجز عن القيام بوظائف الولاية. قال النووي رحمه الله: هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية.
فالوزر على من قبلها، وعلى من ولاه إياها عالما بضعفه؛ هو أمر ظاهر لكل من كان له قلب أو ألقى السمع للنصح لله ولا لغير الله جل جلاله.
ليس من عادتي خطاب أولياء الأمور، فأهل العلم أحق بذلك مني، ولكن الفرض الكفائي قد يتعين، وأرى أنه صار علينا بعد تقاعس من يجب عليهم قبلنا، وقد كتبت لكم بعنوان: (فرقد الإصلاح) قبل هذه الخاطرة.
تأملات عاطل