تابعتُ خلال الأيام الماضية في مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من المنشورات والتعليقات والصوتيات التي تتحدث عن نهب 50 مليار أوقية قديمة من صندوق كورونا. فهل تم بالفعل نهب 50 مليار أوقية قديمة من موارد الصندوق؟
إليكم هذه المعلومات التي قد تساعد في الإجابة على السؤال أعلاه.
لقد تم بالفعل إنفاق 49.82 مليار أوقية قديمة من موارد الصندوق النقدية والعينية، منذ تأسيسه وحتى يوم 31 أغسطس 2021، وهذه تفاصيل نفقاته.
1 ـ مقتنيات عينية : وقد بلغت قيمتها 20.33 مليار أوقية قديمة، وهي عبارة عن هبات من دول شقيقة وصديقة ومن منظمات دولية، وهي ليست أموالا دخلت في الصندوق كما يتخيل الكثيرون، بل إنها عبارة عن مواد وتجهيزات طبية ساعدت في مواجهة كوفيدـ19، فاللقاحات التي تسلمتها بلادنا من بعض الدول والمنظمات تدخل في هذا البند. وقد ساهمت تلك المواد والتجهيزات في حماية منظومتنا الصحية الهشة من الانهيار، كما أنها مكنت من الوصول إلى نسبة تلقيح معتبرة، فمن النادر جدا أن لا تتذيل بلادنا من حيث المؤشرات القوائم الإقليمية والدولية، ولكن على مستوى مؤشر نسبة التلقيح ضد كورونا فقد حاولت بلادنا أن تكسر القاعدة هذه المرة، وذلك من خلال احتلال الرتبة 12 إفريقيا.
خلاصة هذه الفقرة هي أن 20.33 مليار أوقية من نفقات الصندوق لم تكن أموالا، وهذا المبلغ يمثل نسبة 40.8% من مجموع نفقات الصندوق منذ تأسيسه، وحتى اليوم.
2 ـ الإعفاءات الضريبية : هذه أيضا ليست أموالا دخلت الصندوق، وإنما هي عبارة عن إعفاءات من الرسوم الجمركية لبعض المواد الأولية (الخضروات؛ الفواكه؛ القمح؛ الأدوية؛ الزيت النباتي)، وتم الإعفاء في الفترة ما بين (26/ 03/ 2020 إلى 31/10/ 2020). نفس الشيء يمكن أن يُقال عن إعفاء أصحاب المهن والأنشطة الصغيرة من ضرائب البلدية لمدة شهرين. هذه الإعفاءات بلغت في مجموعها 5.68 مليار أوقية قديمة وهو ما يمثل نسبة 11.76% من مجموع نفقات الصندوق.
يمكنكم أن تلاحظوا أن أكثر من نصف نفقات الصندوق (تحديدا 52.56%) لم تكن في الأصل أموالا تنهب أو لا تنهب، وإنما كانت عبارة عن مواد عينية و إعفاءات ضريبية.
3 ـ الإعانات : هنا بدأنا ندخل بالفعل في صرف أموال من الصندوق، وقد وصلت الإعانات إلى 7.45 مليار أوقية قديمة، واستفادت منها 396.293 أسرة في الداخل و40 ألف أسرة في نواكشوط، وتمثل نسبة الإعانات 14.95% من مجموع نفقات الصندوق.
هذه الإعانات هي عبارة عن الأموال والمواد الغذائية التي وزعتها مندوبية تآزر، وقد تمت عملية التوزيع وفق أساليب شفافة. قد يكون هناك من ينتقد هذه العملية لقلة المبلغ الذي حصلت عليه كل أسرة، ولكن لا أحد يستطيع أن يشكك في عدم وصول تلك المبالغ إلى الأسر المستفيدة، ذلك أن عملية التسليم كانت موثقة وتوجد صور من بطاقات تعريف وأرقام هواتف المستفيدين.
4 ـ المياه والكهرباء : بلغت النفقات على المياه والكهرباء ما مجموعه 3.9 مليار أوقية قديمة. فبالنسبة لمجانية المياه فقد استفاد منها 2055 تجمعا قرويا تحمَّل الصندوق وبشكل كامل نفقاته على الماء لمدة تسعة أشهر (من 1 إبريل إلى 31 ديسمبر 2020)، هذا فضلا عن 191831 في الوسط الحضري تحمل الصندوق فواتيرها لمدة شهرين. أما بالنسبة للكهرباء فقد استفاد منها 32 تجمعا قرويا، و173924 أسرة لمدة شهرين. كل هذه الأموال يمكن تتبعها، وقد أُنفقت بالفعل على شركتي الماء والكهرباء والمكتب الوطني لخدمات الماء في الوسط الريفي ..إلخ
نعم لقد حدثت هنا بعض الأخطاء بالنسبة للمستفيدين من مجانية الماء والكهرباء في الوسط الحضري لمدة شهرين، ذلك أن الإعلان عن تحمل الصندوق لشهرين من الاستهلاك لم تصاحبه حملة إعلامية موازية توضح للمستفيدين أن زيادة الاستهلاك قد تنقلهم من التعريفة الاجتماعية إلى التعريفة العادية، وسيؤدي ذلك في المحصلة النهائية إلى خسارتهم.
كانت هناك خسائر تكبدها بعض المستفيدين من مجانية الماء والكهرباء في الوسط الحضري، ولكن بالنسبة للتجمعات القروية فقد كانت الاستفادة واضحة، وعموما فإن المبالغ المنفقة من الصندوق على هذا البند ليست محل تشكيك، وهي تمثل 7.82% من مجموع نفقات الصندوق.
إن هذه البنود الأربعة التي تمثل في مجموعها 75 % من نفقات الصندوق ليست محل تشكيك، ذلك أنها تتوزع بين مقتنيات عينية (20.33 مليار أوقية قديمة) وإعفاءات ضريبية (5.68 مليار أوقية قديمة )، وإعانات تم تسلمها من طرف المستفيدين (7.45 مليار أوقية)، وسداد فواتير الماء والكهرباء في الوسط الريفي لتسعة أشهر ولمدة شهرين في الوسط الحضري (3.9 مليار أوقية). كل هذه البنود لا أظنها محل نقاش أصلا. إن النقاش حول شفافية نفقات الصندوق عليه أن ينحصر في البند الموالي.
5 ـ نفقات الصحة ونفقات مختلفة أخرى : وصلت نفقات الصحة في مجموعها إلى 11.53 مليار أوقية قديمة، بالإضافة إلى نفقات قطاعات أخرى وصلت إلى 0.93 مليار أوقية، ومجموع هذه النفقات يصل إلى 12.46 مليار أوقية قديمة ..هذه النفقات يجب أن تبقى محل نظر، ذلك أنها تتضمن الكثير من الصفقات، ومن المعروف أن الصفقات في هذه البلاد هي المجال الأكثر شبهة لممارسة الفساد، ويؤكد ذلك أن الصندوق كان قد استعاد بعض الأموال من خلال عمليات تفتيش سابقة في بعض صفقات وزارة الصحة، وعمليات التفتيش هذه ما تزال مستمرة، وتتولاها مفتشية الدولة ومحكمة الحسابات.
يتضح من خلال تحليل نفقات الصندوق بأن القول بنهب 50 مليار أوقية من صندوق كورونا هو قولٌ بعيدٌ جدا من الدقة، ولكن ومع ذلك، فلا يمكن لوم من نشر تلك المعلومات غير الدقيقة، دون لومنا نحن في لجنة المتابعة على تقصيرنا في إطلاع الرأي العام على وضعية الصندوق.
من المعروف أن مجتمعنا هو مجتمع يصدق كل ما سمع، وهو ومولع بالشائعات وترويجها، ولذا فستبقى الوسيلة الوحيدة للحد من الشائعات تتمثل في المسارعة في تقديم المعلومات الصحيحة من مصادرها، والعمل على زيادة تدفق تلك المعلومات الصحيحة عبر كل الوسائط المتاحة، ولعلكم تذكرون حجم الشائعات التي تم تداولها مع بداية ظهور جائحة كورونا، هذه الشائعات لم تتوقف إلا بعد أن قررت وزارة الصحة أن تنظم مؤتمرا صحفيا يوميا تقدم فيه كل مستجدات الجائحة. لا أحد يتحدث اليوم بغير الأرقام التي تقدمها وزارة الصحة في مؤتمرها الصحفي الدوري. نفس الشيء حدث خلال الأشهر الماضية مع الشائعات المتعلقة بالجريمة، حيث تم استغلال حدوث بعض الجرائم الصادمة في العاصمة نواكشوط لإطلاق شائعات بلا أول ولا آخر عن جرائم أخرى لم تقع أصلا، ومنذ أن أطلقت الشرطة الوطنية صفحة رسمية لها على الفيسبوك، تنشر فيها ـ وبشكل شبه فوري ـ كل ما يحدث من جرائم، خفت كثيرا تلك الشائعات، وأصبحت كل وسائل الإعلام وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي تأخذ أخبار الجريمة من الصفحة الرسمية للشرطة الوطنية.
لا يمكن مواجهة الشائعات والأخبار الكاذبة إلا من خلال تدفق المعلومات من المصادر الرسمية، وهذا ما جعلني اقترح على لجنة المتابعة في أكثر من مرة أن تستدعي الصحافة والمدونين مع صدور كل تقرير جديد عن وضعية صندوق كورونا لتطلعهم على ما في التقرير من معلومات، ولتجيب على كل أسئلتهم التي سيطرحونها عن الصندوق وعن نفقاته.
من حق المواطن، أي مواطن، أن تصله كل المعلومات المتعلقة بإنفاق المال العام، ويتأكد الأمر بالنسبة للأموال التي وُجهت إلى صندوق كورونا، ذلك أن أموال الصندوق تتميز عن بقية المال العام بوجود مساهمات من مواطنين عاديين تبرعوا من مالهم الخاص لصالح الصندوق، ومن حقهم أن يحصلوا على كل التفاصيل المتعلقة بإنفاق تبرعاتهم، ومن واجب الحكومة أن تطمئنهم على حسن إنفاق تبرعاتهم، ومثل ذلك سيشجعهم مستقبلا على التبرع للدولة في أوقات الأزمات والكوارث إن طُلب منهم ذلك.
إن حجب المعلومات قد تتضرر منه أيضا الحكومة، ذلك أن الصورة التي تترسخ في ذهن المواطن قد تكون في بعض الأحيان أقوى من الحقيقة وأهم منها، ومما يؤسف له أن الصورة التي ترسخت في أذهان الكثير من المواطنين عن صندوق كورونا هي أن أمواله قد نٌهبت، والحقيقة ليست كذلك، ولكن تلك الحقيقة تحتاج إلى جهد إعلامي كبير حتى يُصدق المواطن أنها حقيقة.
حفظ الله موريتانيا...