اعتمدت الجمعية الوطنية مؤخرا مشروع قانون جديد ينظم و يأطر عمل هيئات المجتمع المدني بمختلف أنواعها في موريتانيا، سعيا لخلق هيئات مجتمعية فاعلة تنطلق من رؤية شمولية لتحقيق هدف مجتمعي بعيدا عن الاستخدام الشخصي لتحقيق غايات فردية لا تتماشى مع الأهداف والغايات التي من أجلها وجدت هذه المنظمات التي يجب أن تكون خدمية وذات نفع عام.
و من أبرز المبادئ التي يقوم عليها قانون المجتمع المدني الجديد أنه يعتمد مبدأ التصريح بدل نظام الترخيص، مما يسهل الولوج إلى العمل الجمعوي الذي حدد له القانون مجموعة من الشروط والضوابط يعتبر توفرها دليلا على مهنية المنظمة وعلى قدرتها على المساهمة حسب قدرتها ومجال تخصصها على تقديم خدمة مجتمعية.
و قدمت مواد مشروع القانون التي تبلغ 72 مادة تعريفا لمختلف هيئات المجتمع المدني وطرق وآليات تأسيسها والتزاماتها، و مواصفاتها والشروط التي يجب أن تتوفر فيها، والحالات التي يتم فيها تعليقها أو حلها...
فهل يمكن أن يشكل هذا القانون منطلقا جديدا في اتجاه تصحيح المفاهيم المتعلقة بالدور الذي يجب أن تلعبه منظمات المجتمع المدني وهيئاته بمختلف مجالاتها انطلاقا من وضع أسس ومنهجيات واضحة المعالم تحدد أهداف وغايات المجتمع المدني و المعايير التي يجب أن تتوفر في كل من يريد أن يعمل ضمن إطاره؟.
وللإجابة على هذا السؤال وغيره من الإشكاليات المتعلقة بواقع المجتمع المدني في بلادنا أجرى مندوب الوكالة الموريتانية للأنباء مقابلات مع مجموعة من المتدخلين في العمل الجمعوي، لاستيضاح آرائهم حول تقييمهم للقانون الجديد ومدى قدرته على المساهمة في تعزيز وتفعيل أداء المنظمات المهنية، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، سعيا لخلق مجتمع مدني فاعل قادر على المساهمة في التنمية المجتمعية بمفهومها الشامل.
وفي هذا السياق أوضح رئيس منتدى الفاعلين غير الحكوميين، السيد محمدو ولد سيدي، أن المجتمع المدني مجتمع كبير ومتشعب، حيث يضم حوالي 14 ألف منظمة تمارس عملها في مختلف التخصصات وتتدخل في مختلف الأنشطة، مشيرا إلى أن هذا الفضاء الشاسع يحتاج آليات محكمة لتنظيمه وتوجيهه وتأطيره.
وأشار إلى أن مقتضيات مشروع قانون المجتمع المدني الجديد تعتبر حصيلة لآراء و توصيات ممثلي منظمات المجتمع المدني، حيث شاركت 83 منظمة غير حكومية في الورشة التي تم فيها وضع الهيكلة الأساسية للقانون و التي ترى هذه المنظمات أنها تتناسب مع الوضعية الحالية ومع متطلبات تنظيم هذا الفضاء الكبير.
وقال إنه مشروع قانون جيد وحاز على رضى المجتمع المدني بصفة عامة، حيث بالكاد تجد منظمة سجلت ملاحظات عليه بعد اعتماده، مشيرا إلى أنه وضع آلية كفيلة بتطوير وتعزيز أداء ومهنية منظمات المجتمع المدني من خلال رسم خطة لتقييم أدائها وقياس مدى فاعليتها.
ونبه إلى أنه سهل الولوج إلى العمل الجمعوي من خلال اعتماده لنظام التصريح الذي له قوانين وله مساطر تنظمه، مشيرا إلى أن منظمات المجتمع المدني ومن خلال الترتيبات التي ينص عليها القانون الجديد لا بد من أن تكون منظمات فعلية تعمل على أرض الواقع و تقدم تقارير دورية عن نشاطاتها وتمويلاتها لمفوضية حقوق الإنسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني، حتى يتم تقييم أدائها على أساس هذه التقارير بكل شفافية ومهنية.
و تمنى أن يكون هذا القانون خطوة مهمة لتطوير هذا القطاع وتنظيمه وتعزيز مساهمته الضرورية و الهامة في مختلف المجالات التنموية، مشيرا إلى أن المجتمع المدني الذي يعتبر من أكبر القطاعات ومن أكثرها تعقيدا و أهمية بالنسبة للحياة اليومية للمواطن يحتاج التمويل والدعم والعناية.
ونبه إلى الدور الكبير الذي يلعبه المجتمع المدني ليس فقط على المستوى الوطني بل على المستوى الدولي كذلك من خلال تقاريره وآرائه وعن طريق علاقاته الخارجية، منبها إلى أن المجتمع المدني في موريتانيا لعب دورا كبيرا من خلال تنظيمه للملتقيات والورشات ومن خلال علاقاته مع نظرائه في دول العالم إضافة إلى دوره التنموي متعدد المجالات.
و أشار إلى الدور الكبير الذي يقوم به المجتمع المدني في دحض وكشف زيف بعض التقارير المغلوطة التي يحاول البعض من خلالها تشويه صورة البلد، مشيرا إلى أن موريتانيا اليوم لا يوجد لديها أي ملف لا على مستوى مجلس حقوق الإنسان ولا على مستوى الأمم المتحدة، وذلك بفضل الجهود التي تقوم بها الحكومة وبمؤازرة من المجتمع المدني.
وبدورها أوضحت زينب عبدول صمبا كوركا، رئيسة منظمة صلة الرحم، أن تغيير القانون المنظم للمجتمع المدني الذي يعود لسنة 1960م، كان مطلبا ملحا لدى كافة المتدخلين في المجال الجمعوي في بلادنا نظرا لأن هذا القانون أصبح لا يتلاءم مع متطلبات المرحلة و لا يساير ما يمليه تطور الجمعيات التي أصبحت تكتسي أهمية بالغة تجاوزت المساهمة في العملية التنموية بمختلف مجالاتها إلى المشاركة في تعزيز دعائم الديمقراطية وترسيخ دولة القانون.
وأضافت أن مشروع القانون الجديد وضع إطارا متكاملا لتسيير العمل الجمعوي داخل البلاد يعتمد على تسهيل تشكيل الجمعيات وتفعيل مهنيتها و تعزيز دورها كمشارك محوري في عملية التنمية الشاملة بمختلف مجالاتها وأبعادها.
وأشارت إلى أن القانون الجديد أضاف جملة من القرارات البناءة يأتي في مقدمتها اعتماد نظام التصريح الذي حل محل نظام الترخيص الذي كان يتطلب مسطرة طويلة و وضع آلية واضحة لتحديد طرق الطعن في حالة الإفراط وأدرج تشريعا متكاملا حول نظم إلغاء و تعليق وحل المنظمات.
وطالبت الجهات المعنية بالعمل على تطبيق بنود هذا القانون على أرض الواقع بغية تجاوز مختلف النواقص المسجلة في أداء المنظمات الجمعوية و خلق مجتمع مدني فاعل له القدرة على التفاعل الإيجابي مع مختلف المجالات التنموية الوطنية خدمة للمواطن وللوطن بصفة أعم.
و نبهت إلى أهمية تخصص منظمات المجتمع المدني بحيث يكون لكل منظمة مجال معين ومحدد لأن ذلك يساهم في تعزيز أدائها، مشيرة إلى ضرورة وضع آلية متابعة وتقييم دقيقة ومتواصلة من أجل معرفة أداء كل منظمة ومدى مساهمتها في مجال تدخلها.
وقالت إن كل منظمة غير حكومية ينبغي أن تضع خطة عمل ورؤية مستقبلية لمجال تدخلها الذي يجب أن يخضع للتقييم و المتابعة من أجل الوصول إلى الهدف المحدد، مشيرة إلى أن هناك جمعيات فاعلة حققت الكثير من النتائج المهمة على أرض الواقع وقدمت خدمات كبيرة لصالح المحتاجين والمحرومين.
و بدورها اعتبرت السيدة توت بنت أحمد جدو، رئيسة الجمعية الموريتانية لمحاربة الاتكالية، أن مشروع القانون الجديد للمجتمع المدني لديه عدد كبير من الإيجابيات من أهمها أنه سيبرز المنظمات الفاعلة التي لها برامج وأنشطة ميدانية ولها نتائج إيجابية في مجال معين من المجالات التنموية في البلد.
وأضافت أن من إيجابيات القانون كذلك أنه يضع جملة من الإجراءات التي تمكن من معرفة مجالات صرف التمويلات التي تحصل عليها منظمات المجتمع المدني، وإن كانت استخدمت في مجالات تنموية خدمة للوطن أم استخدمت في مجالات أخرى ليست لها علاقة بالمصلحة العامة.
وأشارت إلى أن هذا القانون يضع إطارا تقييميا سيحدد في حال تطبيقه على أرض الواقع معايير مهنية واضحة ستمكن من إخراج المجتمع المدني من حالة الفوضى والميوعة التي يعيشها، مطالبة جميع منظمات المجتمع المدني أن يكون هدفها الأسمى هو المساهمة في تعزيز البناء الاقتصادي والاجتماعي للوطن خدمة للمصلحة العامة، وأن تقف صفا واحدة ضد المنظمات التي تحاول في الداخل أو في الخارج النيل من مصلحة الوطن وزعزعت أمنه واستقراره وتماسكه الاجتماعي.
ونبهت إلى ضرورة خلق تنافس إيجابي بين منظمات المجتمع المدني في مدى مساهمتها في المجالات التنموية بمفهومها العام في البلاد انطلاقا مما يتيحه القانون الجديد الذي يجب على المجتمع المدني أن يساعد على تطبيقه على أرض الواقع نظرا لما يتوفر عليه من نقاط إيجابية ستساهم في ترقية وتعزيز أداء العمل الجمعوي في بلادنا.
و طالبت مفوضية حقوق الإنسان والعمل الإنساني والعلاقات مع المجتمع المدني، بالعمل على تطبيق بنود هذا القانون بطريقة صارمة على كافة المنظمات بدون استثناء وبعيدا عن العواطف، بغية وضع النقاط على الحروف، و مواجهة المنظمات بالحقائق التي تمليها مقتضيات القانون، بغية الحصول على مجتمع مدني فاعل ومهني و يعرف مجالات تدخله وقادر على القيام بها.
_ وما