هو الإمام العلامة محمدو بن محمدو بن احمدو بن البوصيري الملقب ب“بداه” التندغي.
ولد عام 1338هـ الموافق عام 1920م، بمنطقة لعكل التابعة الآن لمقاطعة أبي تلميت بعد وفاة أبيه محمدو بحوالي ستة أشهر، ولد وترعرع في وسط علمي وصوفي مميز، فجده لأمه الشيخ الرباني محمدو بن حبيب الرحمن ذو الصيت الذائع في المنطقة الغربية الجنوبية، حيث كان رجلا صالحا ذا كرامة ظاهرة، وكان أخواله أبناء الشيخ محمدو علماء ومربين.
نشأ بداه في كنف أمه وبرعاية أخواله، فاعتنت أمه صفية بنت الشيخ محمدو بتعليمه وتنشئته نشأة صالحة، فحفظ القرآن وهو بعمر السابعة مما لفت الأنظار لنبوغه وذكائه.
ثم درس علوم اللغة على العلامة اللغوي الكبير مم بن عبد الحميد الجكني ، حيث درس عليه أشعار الشعراء الستة المعرف ب “الستِّ” وأشعارا عربية أخرى.
درس الفقه والنحو والسيرة على خاله محمد النابغة وابن خاله محمدن بن محمد النابغة، فقرأ نظم الغزوات وبعضا من مختصر خليل، ونظم العاصمية في القضاء، وألفية ابن مالك في النحو ولا مية الأفعال في التصريف.
التحق أيضا بمحظرة العلامة يحظيه بن عبد الودود، فأدرك فترة قصيرة من حياة “اباه” فلم يدرس عليه، فدرس على ابنه التاه (المختار بن يحظيه بن عبد الودود) أجزاء من مختصر خليل واحمرار ابن بونا على ألفية ابن مالك.
ثم اتجه لدراسة التجويد وقراءة نافع على العلامة القارئ سيد الفاللي ولد محمودا فأخذ عنه إجازة في قراءة نافع بروايتي ورش وقالون، قبل أن يصحب العلامة المفسر أحمد بن أحمذي فقرأ عليه تفسيره المسمى “مراقي الأواه إلى تدبر كتاب الله”.
ثم سافر إلى محظرة الشيخ محمد سالم ولد ألما حيث درس عليه أصول الفقه، فقرأ نظم السيوطي “الكوكب الساطع”، وأخذ المنطق وعلوم البلاغة عن العلامة محمد ولد حمين ، فقرأ الطيبية وسلم الأخضري، والجوهر المكنون وعقود الجمان كما أفاد من علماء آخرين في فن النوازل.
وهكذا تبحر الشيخ بداه في العلوم المحظرية. كما أخذ في التصوف وترويض النفس أيضا حظا وافرا، فأخذ عن خاله الشيخ محمذن فال ولد الشيخ محمدو الطريقة القادرية، ثم أخذ الطريقة الشاذلية على العلامة محمد سالم ولد ألما.
كان بداه عصاميا في تكوينه مجدا في طلبه للعلم مخلصا في تقربه إلى الله تعالى، فبداه الذي لم ير أباه وفقد أمه وهو صغير كان يعتمد على الله مع ثقته الكبيرة بنفسه فنشأ مستقلا في نفسه رغم عطف أخواله عليه ومساعدتهم إياه في الطلب فشق طريقه بنفسه مجمعا من العلوم ما تناثر بين محاظر شتى مستوعبا ما تقاستمه صدور عدد من علماء ذلك العصر.
كان لهذه الميزات أن تفتح عينيه بعد سنوات قليلة من التصدر للتدريس في محظرته المتنقلة في المنطقة الساحلية على آفاق جديد لم تطلها دراسته من خلال مطالعته لكتب الحديث والمذاهب والتفسير وعلوم القرآن وعلوم الحديث التي بذل جهدا كبيرا في تحصيلها وجمعها من أقطار بعيدة، فعكف على المطالعة والبحث فلم يكن يضيع وقتا.
نشأ بداه في وسط يألف الحل والترحال فقد كانت حياة القوم تقوم على التنقل من منزل إلى آخر لكن هذه الحياة المتنقلة أصبحت لا تلائم الشيخ الذي أصبح يتنقل بمكتبة كبيرة، فتاقت نفسه إلى أن يستقر في مكان ما يجمعه مع مكتبته بشكل دائم، فوجد في قرية نواكشوط (مدينة نواكشوط بعد ذلك) ، هذا المكان الملائم.
فأسس مسجده ومحظرته في حي لكصر، وشرع في التأليف والتدريس فطرق في تآليفه الأولى مواضيع لم يكن علماء الصحراء يتحدثون عنها، فأفتى مثلا بوجوب صلاة الجمعة وبرجحان الأخذ بالقول الراجح إذا عارض المشهور، وأن هذا لا يعد مخرجا عن مذهب الإمام مالك، لقيت هذه الفتاوي وغيرها من فتاواه معارضه من بعض العلماء فردوا عليها إلا أن ذلك لم يثنه عن الدفاع بقوة عن آرائه التي يسندها دائما بالكتاب والسنة وبأنقال من كتب من العلماء، بل إنه أقام الجمعة في انواكشوط متجاوز التنظير إلى التطبيق.
وكانت محظرته مكانا لدراسة كل العلوم، فكان يدرس في حلقاته التجويد والتفسير والحديث وعلومه، والفقه وأصوله وعلوم اللغة العربية.