“وأيا يكون المستشار السياسي فإنه يظل في البدء والمختتم أحد أهم أسباب اختياره كونه خبيرا محترفا، يقدم المشورة في مجال معين مثل القانون والأمن والموارد البشرية والتعليم والرعاية الصحية والزراعة والعلوم والهندسة والامتثال التنظيمي والتسويق والاعمال التجارية أو أي من المجالات المتخصصة الأخرى لاستغلال معارفه في تحديد ووضع وتطبيق السياسات التنموية والأمنية للبلد”
أقدم رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في خطوة شجاعة وبالغة النضج “التصحيحي” إلى إقالة مستشارين بالجملة جاءت بهم إلى الرئاسة رياح “الاستقواء العشري” بالمتزلفة والمطأطئين الرؤوس والمنفذين وأعينهم معصوبة كل الأوامر التي ترد من كل أروقة القصر الرمادي.
وسيكون لصدى هذا القرار القوي حتما نتائج كثيرة وانعكاسات كبيرة على مسار السياسة العامة للبلد في هذا المنعطف الدقيق من العهدة:
ـ أولها ترتيب الشأن الرئاسي وتحريره من قبضة العشرية عن طريق إعادة الاعتبار لوظيفة المستشار التي تشكل في حقيقة الأمر المهمة السامية،
ـ وثانيها الاحتفاظ بالطاقات الوطنية الخلاقة التي تستجيب لمتطلبات واشتراطات الكفاءة الضرورية للاستشارية المثمرة في قضايا البلد في مساره التنموي والحفاظ على توازناته واستقراره ووحدته ولحمة شعبه ورفاهه،
ـ وثالثها توفير أموال الخزينة لصرفها على مستحقيها من الكفاءات العاطلة والمهمشة حيفا ومن الموظفين المغمورين المرميين، بلا ظهير من النافذين وأصحاب القرار و”الوجاهات” القبلية الاقطاعية العاتية و”اللوبيات” المالية المهيمنة الجائرة، في زوايا قطاعات الدولة المعتمة عليهم فيها وزر العمل ولهم من بعد سوء المنقلب.
ولما أن هذا القرار لاقى استحسانا وترحيبا كبيرا لما سيكون له من انعكاس إيجابي، على حكامة البلاد بشكل عام وعلى أداء رئاسة الجمهورية، مركز القرار الأول، من شفافية بشكل خاص، فإنه جدد الأمل في النفوس التي تتوق إلى التغيير المنشود الموعود، أن قرارا مماثلا سيتم اتخاذه لاحقا بشأن الكم الهائل من المستشارين الذين أتت بهم إلى كل القطاعات والمؤسسات العمومية نفس العوامل التي جاءت بمستشاري الرئاسة، الوجاهاتُ القبلية والعشائرية والزبونية والوساطة. لكل من هذه الجهات نصيب على حساب الكفاءات وخزينة الدولة.
وفيما لا يخلو قطاع من قطاعات الدولة من أعداد كبيرة من هؤلاء المستشارين الذين لا يستشارون في أمر ولا هم قادرون على اتخاذ “المبادرة” الشجاعة والمستنيرة إلى ذلك، فإن هذه القطاعات تفتقر في مجملها إلى الكفاءات الفنية والتسييرية والتخطيطية والتوجيهية والاستشرافية والمتخصصة لعمل “دورة” القطاعات في إطار مخطط مهامها المرسومة في سياستها القطاعية.
ويأتي إذن هذا القرار الإصلاحي الكبير ليذكر بأن رئيس الجمهورية لم ينس وعده بتحرير كل “الحكامات” الحكومية والإدارة عموما من قيود “الحشو” على إثر تعيينات جلبت “الرداءة”، ومن ثقل تراكم المستشارين “السلبيين” الذين امتلأت بهم القطاعات حتى أجهزوا على “الكفاءات” التي همشت بسبب “غياب الظهير”، وتداخلت المهام في الأقسام والمصالح والإدارات؛ تعيينات جلها تمت بمذكرات وقرارات مرتجلة للغاية، لا تخشى التأويل وليست مطالبة بتبرير الترقيات المزاجية والتوظيف الإسترضائي.
وبالطبع فلقد تسببت هذه الوضعية في فوضى عارمة ألمت بكل القطاعات الفنية والإدارية والثقافية والاعلامية إلى حد انتشار الرداءة المزمنة وتهميش الكفاءات القليلة التي بدأت تضمحل تحت سيل غثاء التعيينات المزاجية والمجاملة.ولا شك أن هذا الخطوة، الشجاعة والسليمة والواعية والمنصفة، ستكون أول الطريق “السالكة” إلى قرارات مماثلة منتظرة في كل قطاعات الدولة، وإلى إعطاء الكفاءات المظلومة والمهمشة حقها لتتبوأ المقام المستحق الذي تستطيع منه أن تلعب دورا إيجابيا مطلوبا لصالح “مسار” البلد الجديد والخروج به من حالة “الارتهان” لـ”نمطية” العشرية المنصرمة وما قبلها إلى رحاب دولة القانون والكفاءة والانصراف بجد وثبات إلى التنمية العادلة بمقدرات البلد الكثيرة والمتنوعة.