شاءت الأقدار مرّةً أخرى أن أعيش معكم فرحة الاحتفال بعيد الاستقلال وأنا خارجَ الديار..لن أقول إنها الذكرى الأولى طبعاً.. هي الذكرى الستون، شئنا أم أبينا..لن أكون ملكياً أكثر من الإعلام الرسمي (الحكومة تعرف كل حاجه على رأي عادل إمام).
سأذكرُ فقط ما لاحظتُه من نقص في جوانب تغطية الإعلام الحكومي، وهو نقصُ القادرين على التمام، لو أنهم تحرروا من جلباب عقودٍ ستةٍ من الببغاوية ..
سادتي في وسائل الإعلام الرسمي، تُكررون الخطاب الرئاسي بمناسبة الذكرى الستين لعيد الاستقلال الوطني، وكأنّ الهدف هو التأكيد على أن ولد الغزواني حباه الله بفصل الخطاب، وغابَ عنكم أن الأهمية هنا بنُبل الفعال..
كان يكفي استضافة مختصين موضوعيين في الشأن الاقتصادي وفي أوضاع العالم اليوم، سيُخبركم من لديه أبسط فهم في الاقتصاد أنه لم يتوقع أن يشمل الخطاب الرئاسي الإعلان عن حزمة القرارات والإجراءات التي شملت أكثر من صعيد وفي قطاعات بالغة الأهمية، واستهدفت في جوانب منها فئات بالغة الهشاشة، وفي أشد الحاجة لتدخلات اجتماعية من لدن الدولة..
ماذا لو نزلتم للشارع، ستقابلون مَنهُم مثلي، يعتقون أنّ الدولة تمتلك مالاً وفيراً وتضن به على الموطنين، لما لا تنقلوا صوتَ الناس "لمْكَبرَ الكرش" في الرئيس..هل تخشونَ غضب الرئيس؟ جربوا ربما لن يغضب لأنكم في المقابل ستنقلون رأي مُعلمين وأساتذة ومفتشي تعليم أساسي وثانوي وأطباء وممرضين وقابلات ومتقاعدين أحياء وأرامل متقاعدين ومرضى فشل كلوي وذوي احتياجات خاصة كلهم يعتقدون أن حزمة الإجراءات الجديدة ستنعكس حتما على وضعهم المعيش جميعا..
بدون شك، ستجدون من يقول لكم إن زيادة المعاش الأساس بنسبة مائة في المائة لجميع المتقاعدين، وصرفها شهريا، قرارٌ يعود بالضرورة على ٱلاف الأسر التي يعيلها متقاعدون كانوا ينتظرون ميرتهم كل ثلاثة شهور، فجاء القرار ليستلم كاسبهم راتبه التقاعدي مضاعفا نهاية كل شهر..
تعلمون جيداً أنكم لن تفلحوا بنقل صوت واحد..عاديٌ جداً، خذوا تصريح من يعتبرها "تزفطاتي" وأقيموا عليه الحجة بمن يصدقُكم ويقول لكم إنها خطوة فاتت على جميع رؤساء موريتانيا خلال الستين سنة الماضية، وتأتي لتشكل استجابة لتعهد كرره الرئيس ولد الغزواني في حملته الانتخابية، وسطره في متن برنامجه الموسوم بـ"تعهداتي".
لا عليكم زملائي وعمدائي في الإعلام الرسمي، لستُ هنا في وارد التنقيص من قدراتكم ولا من جديتكم في التحديث.. كيفَ غابَ عنكم، وأنتم تسعون إلى إبراز أهمية مضاعفة رواتب المتقاعدين، انجازُ قصة إخبارية عن مُتقاعد واحد برتبة ضابط في الجيش الوطني.. لن تعدموا فرصة الاتقاء به وهو يحرسُ أحد المباني الحكومية .. سيخبركم أنه خدم هذا الوطن وكاد يفقد حياته في سبيله وخرج بدراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين.. سيخبركم أنه لابد أن يواصل العمل بقية حياته بمترب هزيل لكي يعيل الأبناء.. اسألوا الأبناء، سيقولون لكم إنهم يُحبون أباهم، لكن لا أحد منهم يرضى لنفسه بالعمل في جيش هذه نهاية ضباطه أحرى جنوده..
لا تسألوا المتقاعدين من المعلمين والأساتذة والممرضين .. اسألوا المتقاعدين من أساتذة الجامعة .. اسألوا الدكتور والباحث والمؤرخ محمدو ولد امّيّن.. اسألوا الدكتور والعالم هيبتنا ولد سيد هيبه، وهو بالمناسبة رئيس سابق لجامعة نواكشوط.. هما والعشرات من متقاعدي التعليم العالي لا يمتلكون بيوتاً.. كلهم يؤجرون بيوتاً مملوكة لتُجارٍ لا يكتبون ولا يقرؤون في الغالب..
أساتذتي في وسائل الإعلام الرسمية ما ضرّكم لو أعدتُم اكتشاف معاني الاستقلال من جديد؟ عواملُ الإلهام هذه المرة كبيرة، وهي التي ألهمت العديد من الشعراء الشباب قصائدَ وطنية، لا يبتغون من ورائها غير التعبير عن غبطتهم بالذكرى..أتذكر هنا قصيدتين متميزتين من منظور نقدي للشاعرين حنفي ولد دهاه والشيخ ولد سيدي عبد الله، غنّتهُما المتألقتان كرمي منت آبه وتكيبر منت الميدّاح..
هاتان القصيدتان الوطنيتان وليدتا هذه المرحلة فقط، إذ الشعر والوطنية توأمان للزميلين ولد دهاه وولد سيدي عبد الله.. لماذا باحا مع غيرهما بهذه الوطنية الطافحة الآن؟ وبدون تنسيق؟ هل كان عليهما أن يُفردا بعض أبيات قصيدتيْهما لذكر ولد الغزواني كيْ يُفرد لهما الإعلام الرسمي برامج تُشيدُ بهما..هل كان عليهما أن ينجحا في مسابقة الشعر الوطني التي يحصل الفائز فيها على مائة ألف أوقية قديمة؟
هنا ضاعت فرصة إعلامية، بل قصيدة إعلامية عنوانها : الشعر الوطني في زمن العفوية.
أساتذتي في الإعلام الرسمي، اعتبروها وشاية مني، وبلّغوا للرئيس ما شئتُم عني.. قولوا له إنّ ولد اتفغ المختار "بشمركي" لا يفقه شيئاً في الإعلام، وأنا كذلك فعلاً، لكن تذكروا أنّ هذه الفكرة البلهاء كررتُها عليكم في مكاتبكم، وأن ما أنتم به مُجردُ نقص القادرين على التمام ..
أساتذتي، لا معنى لإعلام صحيفة "لبرافدا" السوفيتية ونحن على أعتاب العشرية الثالثة من الألفية الثالثة.