مدينة شنقيط تراث عالمي، جعلت منه المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم، محمية تحافظ على حمايتها، والتعريف بها، لما لها من مكانة علمية، فهي تتسم بوفرة في الأماكن الثقافية ذات البعد الإنساني، والحضاري، وعليه فقد كانت قبلة للوافدين والمهتمين بتلك الأماكن مما حدا بنا إلى محاولة تسجيلها في هذا المقال ليكون رافدا لمن لا علم له بها.
إن من يصل إلى هذه المدينة التاريخية لابد أن يقف على:
_ المسجد الجامع، وهو أقدم صرح تراثي لا يزال شاهدا على حضارة المدينة، فلم تصل إليه الصناعات الحديثة، فما زال المصلون يسجدون على ترابه الذهبية، ولا زال يحتفظ بصومعة ذات معماري خاص، لا نظير لها في هذه البلاد، بنيت على مرحلتين، واشتغل بها ألمع البنائين في المدينة، وجلبت بعض مواد بنائها من خارج المدينة، كالحجارة الملونة، جلبها أحد الخيرين ممن سكنوا المدينة في فترة معينة من تاريخها. كما أن المسجد يحتفظ بساعة تعطي للمؤذن الوقت المعين للأذان وتسمى(الحجرة). بأضرابه الكثيرة وفساحته المتسعة يقدم صورة رائعة في البنيان والتماسك الداخلي. به مصلى للنساء داخلي وخارجي. زاره فردريكو ماير الأمين العام لليونسكو، مع العلامة المرحوم محمد سالم بن عدود، أعجب الرجل ببناء المسجد ومرافقه الداخلية والخارجية، وبما يقوم به من خدمة الثقافة الشنقيطية والحفاظ عليها فأمر بحمايته وإدراجه ضمن المحفوظات للمنظمة. تحيط بالمسجد أطلال البنايات التاريخية التي سكنها العلماء وعلية القوم وغيرهم، وقد اندرس بعضها، ولم يبق إلا القليل من السكان في تلك المنطقة. كل هذا يوحي لك بحياة كانت تدب في تلك المنطقة، وقد فعل الزمن فعله فيها.
_ المكتبات، وهذا عنصر هام من عناصر السياحة الثقافية، فلا يكاد المرء يحل بتلك المدينة إلا ويبحث أولا عن تلك المكتبات ويزورها للتزود بالصور الهامة لنوادر المخطوطات، المنمقة بالخطوط الجميلة من نسخ وتعليق وثلث، وخط أندلسي، ومغربي، ومن تجليد حسن جميل، ولا بد من الوقوف على أقدم مخطوط في بلاد شنقيط، ألا وهو تصحيح الوجود والنظائر من كتاب الله العزيز، لأبي هلال العسكري، القابع في مكتبة أهل حبت والمنسوخ سنة 480ه في بلاد الأندلس.
_ زيرة تمنكست، ومن هذه المعالم، الكثيب الكبير المعروف بالاسم السابق، الذي يعرف على بطحاء المدينة، ومن يقف عليه تظهر له المدينة بجلاء، دورها ونخيلها، ولطالما قصدها السياح لتصوير المنظر العجيب لغروب الشمس، ومن بات عليها فقد يصور طلوع الشمس كذلك، أما في الليل المقمر فهي روعة في الجمال، يتعاطى عليها المعجبون كؤوس الشاي، ويتسامرون ما شاء لهم ذلك.
_ واحات النخيل الغناء، ومما تهوي له القلوب وتستظل به الرؤوس، الواحات الغناء التي تسكن أماكن متعددة من المدينة، مثل أطلال التوراتن، وانتكمكمت، وآبير بنخيله الضارب في القدم، وتندوعل، وتندوج، والزر القبل، وأغفررت، والعكيلة، ومن يزور هذه الواحات يجد ظلا ظليلا، وماء باردا، وراحة واطمئنان بال، مع تعاطي المأكولات وخاصة في تلك التي أعدت بها بعض النزل السياحية، أما إذا زرتها في الكيطن، فإنه يشد بصرك أنواع التمور الزاهية اللذيذة المأكل، خضراء وصفراء، وحمراء في تناغم وزهو عجيبين.
_ بطحاء المدينة، روعة في الجمال، تخترق المدينة، من شمالها لجنوبها، قلما تجد نظيرا لها في البلاد، فهي تسيل نحو المشرق، خلافا لغيرها من بطاح المدن الأخرى، وإذا وقفت عليها وقد سالت، فإنك تحصل على منظر غاية في الروعة والجمال، وقد تجد في أماكن منها صورة تماثل قول كعب بن زهير، “صاف بأبطح أضحى وهو مشمول”، تذهب الجماعات المختلفة الأعمار إلى أماكن منها حيث الذبائح وتعاطي كؤوس الشاي، والطرب واللهو والاستجمام، لإزالة الأحزان، وما يكدر صفو البال.
_ أمكجار، يقبع في وسط جبال أدرار الصماء، وهو أول طريق للسيارات شقه المعمر، يكاد يطير بعقل من لا يعرف المنطقة حين رؤيته، فهو صعب ومخيف لوعورته، ولذلك فهو معلمة طريفة من معالم السياحة لا تخطئها العين، ومن زارها يعرف قوة شكيمة سكان المدينة. توجد بقربه تلة(كارة) وقف عليها أهدل شنقيط ليروا النار الموقدة على كدية الجل للتعرف على وجود الكلأ والمرعى في منطقة تيرس زمور. كما توجد أطلال أبنية تاريخية لفيلم فورس آكان، الذي سجل معظمه في مدينة شنقيط ونواحيها، وقد اشترك فيه بعض الممثلين الكبار، وبهذا صار ذلك المكان يؤمه الباحثون عن تاريخ السينما في بلاد شنقيط.
_ الرسوم التاريخية، وهي معلمة حضارية شاهدة على قدم المنطقة ومن سكنها من الساكنة في الأزمنة الغابرة، ففيها من الرسوم العجيبة للإنسان والحيوان، ومن وصل إلى مدينة شنقيط عبر أمكجار لا بد أن يمر عليها، وقد أصبحت الآن محمية، ونالت قسطا من العناية للحفاظ عليها ممن يعبث بالتراث دون معرفة قيمته.
_ إغوجوتن، وهي مقالع الطين بالمدينة، تقع على بعد أمتار تحت الأرض، فهي مدينة واسعة تتخللها أضراب داخلية يتركها أصحاب المقالع لحمايتها من الانهيار، تمتاز بالجو البارد، يستطيع المتجول فيها أن يشعر بذلك الطقس العجيب، ولشرب الشاي نكهة خاصة تحت الأرض ممن يتمسك بشجاعة وثبات واطمئنان بال. المشتغلون في تلك المقالع يخرجون طينا طريا يستعمله أهل شنقيط منذ مئات السنين في بناء منازلهم المكونة من الحجارة والطين، وتتسع المقالع لمئات العمال، يرتادونها في أوقات معينة وعلى فترات مختلفة، تبهرك شجاعتهم وتمسكهم بتلك الثروة الهائلة من أطنان الطين المستخرج فهو بالنسبة لهم كنز لا ينفد، عمل فيه المئات منذ الزمن الغابر، وتجب حمايته والحفاظ عليه، حيث تهدده الرمال بالانطماس إبان هبوبها في المدينة.
_ لمقالك، وللباحثين عن الرمال الذهبية الجميلة تحيط بالمدينة بحور من الرمال الطويلة، تقصر تارة وتطول أخرى، تتخللها شجيرات جميلة من أنواع (الطلح)، و(التمات)، و(آتيل)، يستظل بها من أراد الاستجمام والراحة، وقد تجد في بعض منها عيون ماء للشراب، كما تجد ألوانا من النباتات الطبية، وغيرها. لقد كانت تلك الكثبان الرملية مكانا مميزا للسياح حيث يبيتون لياليهم، في الجو النقي، الصالح للسمر والراحة، ضمن القوافل السياحية التي تسير من المدينة، ومنها أيضا يشقون طريقهم السياحي المتجه إلى مدينة تيشيت التاريخية.
وخلاصة القول أن مدينة شنقيط تحتفظ بأماكن تراثية وحضارية، غاية في القدم، فهي تُنَشط عناصر السياحة الثقافة، وتجلب للمدينة روادها، وتثبت مكانتها في مصاف المدن المحمية من طرف المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم.