
سأحاول بصفتي استشاري في مجال التنمية المحلية و بصفتي أيضا أحد الاستشاريين المكلفين من طرف متظمة ADECA وبالتعاقد مع برنامج التنمية المستديمة للواحات PDDO بإعادة هيكلة رابطات التسيير التشاركي للواحات AGPO و مواكبتهم لعدة سنوات بغرض (التشخيص، دعم القدرات، إعداد المخططات التنموية، مواكبة التدخلات ... الخ) في الولايات الواحاتية (آدرار، لعصابه، تكانت و الحوضين) ... انطلاقا من هذه الاعتبارات يسعدني أن أتقاسم معكم وجهة نظري المتواضعة لإثراء النقاشات المحتدمة هذه الأيام حول الرابطات.
رابطات التسيير التشاركي للواحات هي منظمات مجتمع مدني خاضعة للقانون رقم 016/98 المتعلق بالتسيير التشاركي للواحات، و تهتم بتنمية الوسط الواحاتي من خلال ما يسمح لها به القانون الموريتاني من تحركات في إطار صلاحياتها.
و بحكم كونه أهم شريك للرابطات، فقد شكلت سنوات العُشرة (27 سنة) حقبة زمنية كافية ليستوطن (مشروع الواحات) في ذهن كل مزارع و لتتشكل قصة مساكنة وصلت لدرجة الإنصهار و اختلاط المفاهيم بل و تداخل الصلاحيات بين (الرابطة) و (المشروع)!
فعلا (مشروع الواحات) هو الممول والراعي والشريك الوحيد لهذه الرابطات على امتداد ال 27 سنة الماضية و هذا ما يفسر طبيعة علاقته بهذه الجمعيات، و لكن هذا لا ينفي الشخصية المعنوية للرابطات و استقلاليتها التامة، و لا يقيد حريتها في الشراكة و الحشد و التحرك ...الخ.
تنشط كل رابطة في حيز جغرافي واحاتي محدد بحكم اعتبارات إدارية و جغرافية و اجتماعية معينة و داخل ذلك المحيط تقوم وفقا لهامش القانون بنشاطها التنموي.
تتكون الرابطة من منتسببن (جمعية عامة) و مكتب تسيير تتبع له لجان مختصة، و مفوض حسابات ...
و تنتخب رئيسا لها خلال جمعيتها العامة وهو الممثل الشرعي لها و المكلف بتسيير أمورها خلال ماموريته.
تبقى التفاصيل الاخرى رهن ترتيبات النظامين الأساسي و الداخلي و طبقا لمناهج سير عمل جمعيات المجتمع المدني الموريتاني.
تمثل رابطات التسيير التشاركي للواحات مرحلة مهمة من تاربخ المجتمعات الواحاتية و تطورها، و أرضية خصبة للباحثين في مجالات تاريخ وتنمية و ثقافة الشعوب الريفية و الواحاتية و مرحلة غنية بالاحداث الهامة و المتغيرات الملفتة للدارسين للمجال.
و من حين لآخر تثير رابطات التسيير التشاركي للواحات زوبعة من النقاشات و تنال من اهتمام الرأي العام المحلي و الجهوي و الوطني أحيانا مالم ينله غيرها من التنظيمات الاجتماعية و يعود ذلك للكثير من الأسباب لعل من أهما:
- أتيح لهذه الرابطات من الاهتمام الرسمي و الامكانات ما لم يظفر به غيرها من التنظيمات الأخرى، و توغلت في الاودية و القرى و زودت بالإمكانات التي سمحت لها بالقيام بالكثير من التدخلات التنموية الهامة، مع ما رافق ذلك من اختلالات تمليها الظروف الزمانية و المكانية لكل واحة ...
- تزامنت التدخلات التنموية لمشروع الواحات (الشريك الوحيد) للرابطات، مع (مرحلة خاصة) من مراحل تطور المجتمع الواحاتي (تنمويا، و سياسيا، و اجتماعيا ...الخ) و كان لذلك التحول تأثيره الايجابي و السلبي على الرابطات و على المزارع (المستفيد الاول) و المستهدف ايضا ...
- تشكل تدخلات (مشروع الواحات) ممثلا لوزارة التنمية الريفية (الزراعة) العمود الفقري للتدخلات الرسمية (تدخلات الدولة) في الوسط الريفي - الواحاتي ... وهو ما يضفي نوعا من الرمزية على عمل الرابطات و يعطيها جرعة اهتمام خاص في ذهن كل مزارع ومواطن ريفي قروي واحاتي ...
- لم تنل الرابطات مكانتها (في الرأي العام) من عامل القدم و لا طبيعة التنظيم و لا مجال التدخل و لا طبيعة الأعضاء ... الخ فكل ذلك متوفر لجمعيات أخرى موازية أعرق منها ... ولكن مكانتها (او جدلية اهميتها) ناتجة عن اعتبارات مرتبطة بعامل سوسولوجي بحت ... !
اما اليوم و نحن على أعتاب حدث جوهري و ساخن بالنسبة للرابطات الواحاتية على مستوى ولاية آدرار، وهو تزامن انعاد الجمعيات العامة للرابطات و ما يرافق ذلك من تداعيات مختلفة ... فقد أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن نسهم في إثراء الرأي العام للولاية بكل جدية و تجرد و حزم و مصداقية بانقاشات الودية الجادة و الشاملة بغرض الإسهام في بحث آليات محترمة و منصفة و تشاركية تكون رافعة للتنمية و تبعد مخاوف الخلافات حول القضايا المشتركة للمزارعين و ساكنة الوسط الواحاتي بشكل عام ...
إن التأثير المتزايد للسياسة على التنمية ... و العلاقة الحساسة بين الخلفية السياسية و الممارسة التتموية في الحيز الواحاتي و الريفي بشكل عام، هو أكبر هاجس يزعزع نسيج المجتمع الواحاتي و يشتت جهوده التنموية ... و إن أي لبنة تخدم انسجام المزارعين (المستفيد الاول) من الرابطات الواحاتية يجب أن توضع في مكان مستقر لا تزعزعه عواصف السياسة و لا صراعات المجتمع.
و إنه من واجبنا جميعا كل من موقعه أن نفصل بين الممارسة السياسية و التنموية و نحن في ميدان حقوقنا الطبيعية كمواطنين مهتمين بكل التفاصيل اليومية و بكل ما يحدث في الحيز الجغرافي الذي نعيش فيه.
رمضان كريم
عبدي ولد أمحيحم
إستشاري في مجال التنمية المحلية
العمدة السابق لبلدية المداح
إضافة تعليق جديد