الحوار وأزمة الحكم في موريتانيا...

الحوار أسلوب ديمقراطي و حضاري، يتم اللجوء إليه وفقا لضوابط ومؤهلات حسب ظروف الزمان والمكان، لحل الإشكاليات المطروحة، سبيلا لتجاوز العقبات القائمة و تذليل الصعاب بين كافة الأطراف، مهما كان مصدرها ومرجعيتها الإيديولوجية وحتى خلفيتها السوسيو اقتصادية.

 في موريتانيا أثبتت التجارب المنصرمة ميل الكيان الموريتاني إلى الحوار والتفاهم انطلاقا من عدة مؤشرات، يأتي في مقدمتها العامل الديني و التركيبة الاجتماعية و السياسية و البنية الاقتصادية للمجتمع الموريتاني.

فالقاموس السياسي المحلي يؤكد خيار الموريتانيين للحوار كأسلوب مدني متحضر مكنهم في الماضي من الجلوس على طاولة واحدة، لسد الثغرات و تضييق الهوة القائمة بين كافة الفرقاء السياسيين، كما برهنت على ذلك مجمل محطات الأحداث التي عرفتها البلاد: مثل مؤتمر ألاك، الحوار مع حركة الكادحين، الحوار الاجتماعي مع مختلف التنظيمات النقابية، الأيام الوطنية للتشاور، المنتديات العامة للديمقراطية، اتفاق دكار و كذلك الحوار الوطني بين الأغلبية و بعض أحزاب المعارضة الديمقراطية سنة 2011 م، انبثقت عنه توصيات و مقترحات، جسدت فيما بعد بقوانين أصبحت سارية المفعول، حيث أصبحت حلقة فاصلة في تطوير النموذج الديمقراطي الحديث العهد في البلاد. كما أثبت النظام الحالي حكمته و حنكته من خلال تنظيم حوار سبتمبر 2022م، الذي أثمر عن نتائج التشاور بين وزارة الداخلية و اللامركزية و الأحزاب السياسية حول التحضير التشاركي و التوافقي للانتخابات النيابية و الجهوية و البلدية لسنة 2023م.

لقد أرسى محمد ولد الشيخ الغزواني نهج التهدئة السياسية و الانفتاح على كافة الفرقاء السياسيين في مسعى لترسيخ دولة المواطنة المؤسسة على الحق و العدالة الاجتماعية و الإنصاف، مما يكرس دولة القانون الحاضنة للجميع، عبر مقاربة تكاملية و شمولية، ضمن سياسة الإصلاح التي شكلت منعطفا في تاريخ الدولة الوطنية، و لتسمية الأشياء بمسمياتها فإننا نرى أن الخطوات العملية التي خطاها المشروع السياسي ذي الطابع الاجتماعي لفخامة الرئيس، قد ساهمت بشكل فعلي في امتصاص أكبر أزمة تعرفها البلاد منذ أمد بعيد ألا وهي أزمة الحكم في موريتانيا.

لذا فإن المرحلة الحالية تفرض على جميع أفراد المجتمع السياسي الموريتاني إحداث تحول ديمقراطي في المشاركة السياسية الذاتية و الجماعية، وذلك من أجل إنجاز المهام المصيرية كضمان الأمن و الاستقرار و الحفاظ على الوحدة الوطنية و تحقيق مستوى مرضي من التنمية، كما يتحتم على النخب السياسية الوطنية أن تنحي جانبا الأغراض الشخصية و أن تبحث المشكلات الحقيقية التي تعيق التحول الديمقراطي، فبقدر ما ينجح الجميع في التحلي بالمسؤولية وتقديم المصلحة العامة على المصالح الضيقة بقدر ما يرتفع مستوى التفاهم بين الفرقاء السياسيين و تضيق الهوة بينهم. فالمشهد السياسي  يطبعه الكثير من الاختلالات البنيوية التي قلما انبرى بها بعض الزعامات و المكونات الأساسية في منظومتنا السياسية، اتجاه القناعات و المصالح العليا للبلد، في ظرفية تتطلب تماسك الصفوف و تقوية الجبهة الداخلية ضد كافة الاحتمالات المرتقبة من مواقف قد تزعزع الأمن و الاستقرار، اللذان يعتبران أهم المكاسب في مرحلة ما بعد الربيع العربي و عملية التحديث السياسي، التي بدأ العالم يتعاطى معها بإيجابية، سبيلا إلى قطع الطريق أمام محاولات تهدف من بين أمور أخرى إلى الدفع بالبلاد إلى مربع الانطلاقة للعملية السياسية، دون مراعاة للعواقب المحتملة لتلك التصرفات ولا انعكاساتها. 

في انتظار نتائج الحوار المنشود الذي يترقبه الطيف السياسي، نظرا لحجم القواسم المشتركة، يبقى الأمل معقودا على استكمال مسيرة التحول السياسي، التي تسهم في إعادة تشكيل صورة الدولة الوطنية، التي تحتضن و تتسع للجميع، بعيدا عن الإقصاء و التهميش، للخروج من مناخ الاستقطاب السياسي، مما يحقق الثقة التامة المتبادلة لدى شركاء موريتانيا في التنمية، لجذب الاستثمار العام و الخاص، الضامن لاستمرار النهضة التنموية التي بدأ البلد يتعاطى معها بشكل إيجابي، ضمن رؤية استراتيجية محكمة تلبي حاجة البلد في خلق الآليات الكفيلة بتحقيق التفكير المشترك للنخب الوطنية لتجسيد مشروع مجتمعي تنصهر فيه تطلعات الشعب الموريتاني.

 

بقلم د.عبد الصمد ولد أمبارك

إضافة تعليق جديد