هكذا يُراوح العمل السياسي مكانه ، بين اسراف في الولاء لمن هو في سدة الحكم ، وسرعة في العداء لمن تنحى عنه.
كم هي غريبة تلك الثقافة السياسية التي يعتمدها معظم الرموز السياسية في موريتانيا والتي لن نغوص في خضمها لحساسية الموضوع من جهة ولوقوفنا على مسافة واحدة من جميع الاطراف، ولكن.
ظاهرة عرفها المجتمع منذ سياسة المستعمر "فرق تسد" ، عززتها أول انتخاب عرف بـ"زرك نون و ويْ" حول الاستقلال ، وتزامن قبيل اعلان الدولة الموريتانية ، حيث ترسخت الظاهرة في الاحكام الشمولية ، نشط فيها سياسيون ابدعوا في ممارساتها ، ووسط غياب للمبادئ والقيم ، اتسعت خلالها الظاهرة لتصبح ثقافة سياسية بامتياز.
فساد الطبقة السياسية الحاكمة
إن طبيعة فساد النظام السياسي ، لا تعود لأسباب من قبيل ضعف القضاء وفساده ، وليس نتيجة فساد الأحزاب السياسية نفسها ، كما لا يتحمل المجتمع الذي أوصل هؤلاء الفاسدين إلى قيادة البلد!
بل تراجع القيم وانحطاط الاخلاق ، هو الذي أوصل البلد والمجتمع إلى هذا المستوى من الفساد والانحطاط الاخلاقي .. ولكن يبقى المتغير الأهم في هذا الفساد والانحطاط الأخلاقي والمجتمعي , هو طبيعة النظام السياسي القائم .
فحين تفرز الثقافة السياسية نظاما سياسيا فاسدا , فمن الطبيعي جدا أن يفرّخ نوابا ومسؤولين فاسدين وقضاء فاسد ومجتمع يزداد فسادا ، حتى تتغير الثقافة السياسية إلى مستوى يُغير بنية الأنظمة الفاسدة ويعيد بنيتها من جديد على أسس غير الأسس التي بني عليها .
إن اتصال الفساد بالفساد كاتصال "سيني كر مع سيني فاقو في الموسيقى الشعبية وهو ما يعرف "بتركاب سيني في سيني" أن يتحول إيقاع التيدينيت بين "مايُخرص" وهو سيني كر ، إلى سيني فاقو ، حيث لا تُشد أوتار التدينيت رغم أنهما ليسا في مقام واحد.
فمثلا ترى وزيرا أو مديرا عمل في عهد الرئيس السابق معاوية وتولى مسئوليات جسام ، ما يرجح وقوعه ألعوبة بأيدي جماعته المعروفة والتي سخر لها موارد الدولة الموريتانية دون أن يكشفوا عن ما وعت غرائزهم أو يقيئوا ما أكلوا.
ثم يتم تكليف نفس الوزير او المدير أو المسؤول بنفس المهام أو أصعب في عهد الرئيس السابق عزيز ليكون شاهد زور على تسيير شفهى للمال العام ، ثم يتم تدويره في عهد الرئيس الحالي ولد الشيخ الغزواني ، فإذا به يوزع الإبتسامات!! على قناة الموريتانية ، ويلعن نظامه السابق! ، متنكرا لولي نعمته! ومتزلفا إلى آخر ، وكأن فالفرق بين الانظمة المتعاقبة كالفرق بين النكاح الباطل، والنكاح الفاسد ، وهو أن النكاح الفاسد ما كان مختلفا في فساده كالنكاح بلا ولي مثلا، والنكاح الباطل ما كان مجمعا على فساده.
جديد الانظمة المتعاقبة
لم يتغير غير وجه الرئيس السابق معاوية عندما تمت الاطاحة به ، ثم تغيير وجهة موارد الدولة ومقدراتها إلى متسكعين جدد.
لم يتغير سوى الولاء والطاعة ومزيد من الخنوع ، حيث بقي الوزير وزيرا والمدير مديرا والنائب نائبا وكأن شيء لم يتغير.
وعندما سلم الرئيس السابق عزيز السلطة ذهب وحيدا ليكون كبش فداء لخمسة عشر سنة من الفساد المستشري.
وعندما تسلم الرئيس الحالي مقاليد السلطة جاء وحيدا ليثبت أن مأخذ العارضة على النظام كان عدم السماح لها بالمشاركة في الفساد .
وهكذا تم إشراك الجميع في عملية الفساد دون أي رادع وبشهية مفتوحة لما تبقى ، وأختلط الحابل بالنابل ، "وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ، وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ".
صوت