أذكر أن مسؤولا ساميا في الدولة سألني قبل سنة أو سنتين قائلا: متى يحين أجل صدور المرسوم القاضي باستدعاء هيئة الناخبين للانتخابات الرئاسية 2024؟ فقلت له جازما: "في حيز زماني محتمل ينحصر بموجب الدستور بين يوم 17 بريل 2024 ويوم 1 مايو 2024! قال لي: كيف ذلك؟ قلت له: لأن المادة 26 من الدستور تحصر لنا تاريخ الاقتراع بالنسبة للانتخابات الرئاسية في حيّز زماني محدد إذ تنص على أنه "يتم انتخاب رئيس الجمهورية الجديد ثلاثين (30) يوما على الأقل وخمسة وأربعين (45) يوما على الأكثر قبل انقضاء مدة الرئاسة الجارية". وتحدد لنا مدة الرئاسة فتقول: "ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس (5) سنوات عن طريق الاقتراع العام المباشر". وبما أنّ المأمورية الجارية بدأت بتنصيب الرئيس الحالي يوم الخميس 1 أغشت 2019 م فإنها تنتهي بموجب ذلك يوم الأربعاء 31 يوليو 2024 م عند منتصف الليل"! وعلى ذلك الأساسُ فالأجل الدستوري لتنظيم الاقتراع المقبل يمتدُّ من يوم الإثنين 17 يونيو 2024 م عند الساعة صفر إلى يوم الإثنين 1 يوليو 2024 عند منتَصف الليلِ.
وهكذا، فإن أول يوم يمكن فيه دستوريا تنظيمُ الشوط الأول من الاقتراع هو يوم الاثنين 17 يونيو 2024 وآخر يوم يمكن تنظيمه فيه هو يوم 1 يوليو 2024! وبما أن الأمر القانوني رقم: 91 – 027 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1991 الذي يتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية المعدل يقول في المادة: 12 (جديدة) منه: "تدعى هيئة الناخبين بمرسوم ينشر بما لا يقل عن ستين (60) يوما متتالية قبل الاقتراع". فإن ستين (60) يوما متتالية قبل يوم الاثنين 17 يونيو 2024 (أول أجل) هو يوم 17 ابريل 2024 و60 يوما قبل يوم 1 يوليو 2024 (آخر أجل) هو يوم 1 مايو 2024!.
وبعد هذه الرياضة الذهنية أعود فأقول إن المشرع الموريتاني حدد آخر أجل لاستدعاء هيئة الناخبين بالنسبة لجميع الاقتراعات على حد سواء بستين (60) يوما متتالية على الأقل قبل تاريخ الاقتراع، وترك مسؤولية اختيار تاريخ الاستدعاء لسلطة تقدير رئيس الجمهورية بالنسبة للانتخابات الرئاسية ومجلس الوزراء بالنسبة لبقية الاستحقاقات.
وبموجب المادة آنفة الذكر، يحصر المشرع ذلك الاقتراع موضع الاستدعاء في حيز زماني محدد فيقول: "يجري الاقتراع في يوم واحد ويفتتح ويختتم في الأيام والأوقات المحددة في مرسوم استدعاء هيئة الناخبين". ويبدو أن المرسوم الرئاسي القاضي باستدعاء هيئة الناخبين 2024 الصادر يوم الجمعة قبل الأخير الموافق 19 ابريل 2024 قد تميّز عن نظرائه السابقين - وحسَنًا فعل - بأنه قد اقتصر في مضمونه على ما هو مطالب به بموجب القانون فقط ولم يتجاوزه إلا بمسألة واحدة هي التذكير بآجال افتتاح واختتام الحملة الانتخابية، وهي تواريخُ محددة سلفا في نصوص سابقة معروفة من المدونة الانتخابية مثلها مثل بقية الآجال ومنها أجل إيداع ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية لدى المجلس الدستوري. ومعلومٌ أن الإجراءات الانتخابية بالنسبة لجميع الاقتراعات مبثوثة منذ القدم في النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات وبما أن الآجال الانتخابية المتضمنة فيها يتم احتسابُها تلقائيا ابتداءً من تاريخ الاقتراع فبمجرد صدور مرسوم الاستدعاء المتضمن تحديدَ تاريخ الاقتراع تكون تلك الآجال محسومةً بصورة تلقائية.
فالمرسوم الرئاسي القاضي باستدعاء هيئة الناخبين اقتصر إذن على العناصر التالية:
أولا: دعوة هيئة الناخبين يوم السبت 29 يونيو 2024، وفي حالة شوط ثان يوم السبت 13 يوليو 2024.
ثانيا: افتتاح الحملة الانتخابية يوم الجمعة 14 يونيو 2024 عند الساعة (0) واختتامها يوم الخميس 27 يونيو 2024 عند منتصف الليل.
ثالثا: بدء الاقتراع عند الساعة السابعة (7) صباحا واختتامه عند الساعة السابعة (7) مساء.
ولكن يبدو أن هذا المرسوم بإغفالهِ التذكير بأجل إيداع ملفات الترشح، قد فوّت على المترشحين الذين لم يتنبهوا إلى وجود أجل الإيداع في نصوص قديمة قائمة، أسبوعاً كاملا من الأجل القانوني المرسوم. ولكنّ ما يشفع له أنه منح هؤلاء مهلة عشرة (10) أيام إضافية على الخمسة عشر (15) يوما التي كان سيقتصر عليها هذا الأجل لو أن هذا المرسوم قد صدر في آخر أجل باستدعاء هيئة الناخبين أي يوم 29 ابريل 2024 م. فبصدور هذا المرسوم إذن يوم 19 ابريل بدلا من 29 ابريل يكون أجل إيداع الترشحات قد زاد بعشرة (10) أيام كاملة وفقا للمعيار المذكور! ذلك أن الأمر القانوني رقم: 91 – 027 الصادر بتاريخ: 7 أكتوبر 1991 الذي يتضمن القانون النظامي المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية المعدل يقول في المادة: 4 (جديدة) منه: "يتلقى المجلس الدستوري الترشحات لرئاسة الجمهورية حتى اليوم الخامس والاربعين السابق للاقتراع عند منتصف الليل". أما بداية سريان هذا الأجل فهي صريحة بموجب ترتيبات المرسوم رقم: 2012 - 278 الصادر بتاريخ: 17 دجمبر 2012 الذي يحدد إجراءات سير الحملة الانتخابية وعمليات التصويت في الانتخابات الرئاسية الذي يقول في المادة الثانية منه: "يتم إيداع تصاريح الترشح لانتخاب رئيس الجمهورية لدى المجلس الدستوري اعتبارا من نشر المرسوم القاضي باستدعاء هيأة الناخبين، ويجب أن يتوصل بها في أجل آخره منتصف ليل اليوم الخامس والأربعين (45) السابق للشوط الأول من الاقتراع" أي ابتداءً من يوم الجمعة 19 ابريل 2024 (تاريخ صدور مرسوم الاستدعاء ) حتى يوم الأربعاء 15 مايو 2024 عند منتصف الليل. وتنفيذا لترتيبات هذا المرسوم بادر المجلس الدستوري إلى نشر بيان يُعلن فيه للجمهور افتتاح الأجل القانون لاستقبال ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية اعتبارًا من يوم الجمعة 19 ابريل 2024 إلى غاية يوم الأربعاء 15 مايو 2024 م عند منتصف الليل كآخر أجل. ويمكن الاطلاع على هذا البيان ضمن الملصقات الخاصة بالمجلس الدستوري عند واجهة مقره الرسمي.
هذا وكما هو معروف لدى الجميع فإن الآجال الانتخابية تسري بصورة متواصلة لا انقطاع فيها ولا عبرة فيها بأيام العطلة بدليل وصف المشرع للأيام بالمتتالية calendaires أحرى مواقيت الدوام الرسمي بدليل قوله كذلك [حتى منتصف الليل كآخر أجل]. ويجسد المجلس الدستوري ذلك عمليا بتنظيمهِ مداومةً مستمرة 24/24.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإننا نذكر بأن ملف الترشح يتضمن فضلا عن تصريح الترشح (الذي يعبئه المعني ويوقعه في مقر المجلس الدستوري وفق شكلية رسمية معدة سلفًا) العناصر التالية:
- مستخرجاً من شهادة الميلاد؛
- صورة مصدقة من بطاقة التعريف الوطنية؛
- شهادة تبريز؛
- شهادة الإقامة؛
- شهادة الجنسية؛
- إفاداتِ تزكية ترشح من لدن (100) مستشار بلدي من بينهم خمسة (5) عمد على أن يمثل هؤلاء 8 ولايات على الأقل.
- مخالصةً تفيد بدفع مبلغ 500.000 أوقية جديدة لخزينة الدولة. لا يُعادُ هذا المبلغ إلاّ للمترشح الذي يحصل على نسبة 2% على الأقل من الأصوات المعبر عنها،
- تصريحاً بالشرف يفيد أن المترشح لا يحمل سوى الجنسية الموريتانية حصرا. [مثال: نحن فلان بن فلان الرقم الوطني كذا، المترشح لانتخاب رئيس الجمهورية 2024، أصرح على شرفي بأنني لا أحمل من الجنسيات سوى جنسية مولدي الموريتانية حصراً].
ويأتي هذا العنصر الأخير طبقا للمادة: 31 (جديدة) - الفقرة الأولى والثانية - من مدونة الجنسية الموريتانية التي تقول: "يبقى الموريتاني الذي يكتسب جنسية أخرى محتفِظاً بجنسيته الموريتانية.
ومع ذلك تتعارض الجنسية المزدوجة مع وظائف رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورؤساء المؤسسات الدستورية والوزير الأول وأعضاء الحكومة في القطاعات السيادية وقادة الأجهزة العسكرية والأمنية".
وبعد هذا العرض الممل الجافِّ أدعوكم للاستمتاع في الختام بقراءة في هذا المجال من نظم أستاذنا محمد فال بن عبد اللطيف المسمى "جالب الدستور من نظم الدستور" الذي يقول في بدايته:
قال عبيد ربه المحالُ
إلى التقاعد محمد فالُ
وهْو إلى عبد اللطيف يُنمى
حباهمُ الله المقامَ الأسمى
المالكي الأشعري المورتانْ
لازال من ريب الزمان في أمان
من كان محسوبا على الإدارهْ
وفي القوانين له استشارهْ
حمدًا لمن قد جعل الدستورا
هو الذي ينظم الأمورا
إلى أن يقول:
أما الرئيس فرئيس الدولة
ودينه الإسلام دون قولة
يجسد الدولة والدستورا
يحميه أن يحور أو يجورا
(……)
يختاره الشعب بلا تهاتر
بالاقتراع الشامل المباشر
لمدةٍ من السنين خمسِ
بالأغلبية كضوء الشمس
والأغلبية إذا لمْ تحصلِ
في الشوط الاول ففي الذي يلي
لا يترشح لهذا الثاني
إلا مرشحان حائزان
لأكثر الأصوات في الشوط الأَوَلْ
هذا وللأول منهما العمَلْ
(……)
ويجري الانتخاب باستدعاءِ
من الرئيس راسماً بذاء
(……)
أما الترشح فقد حدوا لهْ:
شروطَه صيغتَه قبولَهْ
وكل ما يخصّ بالوفاة
وبموانع الترشحات
فكل ذا محدد المرامي
بمقتضى قانونه النظامي
ويتلقَّى المجلسُ الدستوري
أصالةً ملفَّ ذي الأمور
يبت في صحتها معالِجا
مِلَفَّها ويعلن النتائجا
وفي موضوع المجلس الدستوري ذاته يقول لاحقا:
وما به يجيئ من مُقرَّرِ
بسلطة المُقْضَى به كان حَرِي
هذا ولا يطعن في قراره
ويصطلي الجميع فوق ناره
أعني من السُّلْطاتِ كل من مضى
إدارةً تكون أو كانتْ قضا!
هذا وستكون المراحل اللاحقة لإيداع ملفات الترشح موضوع كتابة لاحقة إن شاء الله.
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.
الاستاذ/ محمدن ولد سيدي الملقب بَدّنَّ
إضافة تعليق جديد