يحكى أنّ ملكاً كان يتفقد أنحاء مملكته، فمر على قرية صغيرة كان أهلها يشربون من "ظاية"، فقال للحاشية: هذا لا يصح في مملكتي. ابحثوا عن طريقة أكثر آدمية ليشرب منها أهل القرية. حتى لو كانت "زيرا".
و"الزير"، لمن لا يعرفه، جرة كبيرة من الفخار «گدرة »، وما زال مستخدماً في أرياف دول عربية عدة.
استجابة لرغبة الملك، تقرر شراء "زير"، ووضعه على شاطئ الترعة ليشرب منه الناس، وعندها اقترح واحد من الحاشية أنه من الضروري أن يتم تعيين شخص ليتولى ملء الزير يومياً، وبالفعل تم تعيين "سقا"، وفي اليوم التالي، وبعدما بات الزير ضمن المال العام، تقرر تعيين حارس له.
في أيام لاحقة شكا السقا والحارس أنهما لا يمكنهما الاستمرار في المهمة على مدار الساعة، وتم رفع الشكوى إلى الديوان الملكي، فتقرر تعيين ستة حراس وستة سقائين للعمل بنظام المناوبات لحراسة وملء الزير.
مع تردد مواطني القرية على الزير كبديل للترعة، أصبحت للسقائين والحراس مهمة حقيقية، لكنّ يوماً شهد عاصفة ترابية، أظهر مشكلة جديدة تحتاج إلى حلول عاجلة، فتقرر تشكيل لجنة فنية تتولى صيانة الزير، وكذا تجهيز حامل خشبي وغطاء حتى لا يتلوث ماؤه.
بمرور الشهر الأول على وجود الزير في مكانه، اتضح أن أحداً لم ينتبه إلى كيفية دفع رواتب العاملين على شؤونه، وعندها تقرر إنشاء إدارة مالية، وتعيين محاسبين لتولي مهمة صرف رواتب العمال.
وفي أحد الأيام تأخر أحد السقائين عن موعد العمل، ولم يتم ملء الزير بالماء، فاشتكى الناس، فاكتشف الديوان الملكي أنه لم ينتبه إلى ضرورة وجود من يتابع الالتزام، فتم إنشاء إدارة لشؤون العاملين، وعمل دفاتر حضور وانصراف، وترتب على ذلك إنشاء إدارة قانونية للتحقيق مع المخالفين والفصل بين المتنازعين.
زاد تدريجياً عدد من يتولون تسيير شؤون الزير، فتقرر تعيين موظف كبير ليدير دفة العمل.
بعد مرور سنة، كان الملك يمر كعادته لتفقد مملكته، فوجد مبنى كبيرا تعلوه لافتة كتب عليها "الإدارة العامة لشؤون الزير". اختصارا S.N.D.E
دخل الملك المبنى ليستكشف الأمر، فاستقبله المدير أشيب الشعر ليطلعه على غرف عدة تضم آلاف العاملين، وقاعة اجتماعات، قبل أن يقوده إلى غرفة متسعة تضم مكتباً فخماً يحمل لافتة كبيرة مزركشة كتب عليها "مدير عام شؤون الزير".
ولما سأله الملك عن طبيعة عمل المبنى، أجاب بأن هذه الإدارة أنشئت لرعاية الزير الذي أمر به قبل سنة ليشرب منه أهل القرية بدلاً من الترعة.
أومأ الملك برأسه راضياً، وطلب أن يذهبوا به إلى الزير، وهناك وجد الگدرة مكسورة و طالع لافتة كتب عليها "تبرعوا لإصلاح
انواكشوط .. عطشانة...