تفاصيل لقاء الإمام الأكبر "بداه البصيري" و شيخ القراء "خليل الحصري"

زار شيخ القراء في الديار المصرية، الشيخ محمود خليل الحصري رحمه الله، المنتبذ القصي، سنة ١٩٦٧، ضمن زيارة كان يقوم بها لبعض الدول الإفريقية بوصفه خبيرا بمجمع البحوث الإسلامية لشؤون القرآن الكريم (هيئة كبار العلماء) بالأزهر الشريف.

كان الشيخ الحصري أول من سجل مصحفا مرتّلا للإذاعة، وقام بتسجيل المصحف المرتل برواية ورش عن نافع عام ١٩٦٤ فطبق الآفاق، وكانت أصداء تلاوته تتردد عبر إذاعات شمال وغرب إفريقيا.

وقد سُجّلت تلاوته بهمزة يرى البعض أنها هاءً خالصة وهي المرجع الصوتي الوحيد الآن لتلك الرواية حيث إن جميع القراء يرجحون التسهيل بين بين.

وقد تصدى علماء المنتبذ القصي، لمذهب إبدال الهمزة هاءً خالصة، كالعلامة الشيخ محمد المختار بن محمد يحيى الولاتي، الذي ألف في ذلك نظما ونثرا.

فأما نثرا فقد ألف في ذلك كتابه الذي سماه (درة الغائص، في الرد على أهل الهاء الخالص) وأما نظما فقد نظم أرجوزة تضمنت أهم ما أدار عليه بحثه في كتابه النثري.

كما كان من فرسان تلك المعركة الأدائية العلامة الشيخ عبد الله بن داداه، في منظومة تشتمل على تسعة وتسعين بيتا.

وقد أورد العلامة المفسر الشيخ آبّ ولد اخطور رحمه الله في تفسيره كلاما عن هذه الهمزة وشدد على الذين يقرأون بالهاء وقال إن قراءتها هاء خالصة زيادة حرف في كتاب الله تعالى، ويأثم القارئ بها إن كان متعمدا، ثم قال رحمه الله تعالى إنها لم ترد في كلام العرب إلا في بيت واحد:

 ألا يا سَنَا بَرْقٍ على قُللِ الحِمى ... (لَهِنَّكَ) مِن بَرْقٍ عَلَيَّ كريمُ.

لكن الشيخ محمود خليل الحصري، في تسجيله لرواية ورش - حيث يكثر التسهيل - لا يبدل الهمزة في حال التسهيل هاء خالصة بل ينطق هذا الهاء مهموسا ليس كالهاء العادي عنده.

ولكنه – وهذا الغريب – في تسجيله للدوري عن أبي عمرو – والتسهيل فيها كثير أيضا - يسهل بين بين فقط دون مقاربة الهاء، مما يدل على أن الشيخ الجليل رحمه الله، لم يغب عن ذهنه عدم صحة التسهيل بالهاء.

الشيخ الحصري زار في زيارته هذه للمنتبذ القصي، مدينة بوتلميت، والتقي بعلمائها وحفاظها، ومنهم الشيخ محمد أحمد ولد الغوث إمام محظرة بجدور، وقابل إمام المسجد العتيق في ذلك الوقت الشيخ سيدي أحمد ولد المصطفى البصادي، والشيخ القاضي محمد بن محمذٍ فال الأدهسي، والتقى الإمام الشيخ أحمد ولد اشفغ المصطفى.

وفي مقر إقامة الشيخ الحصري في (ابلوكات) بالعاصمة نواكشوط، زاره الإمام الأكبر بداه ولد البصيري، وتباحثا في علوم القرآن، ولا شك أنهما تطرقا لمسألة إبدال الهمزة هاء، والتسهيل بين بين..

وكان لسان حال الشيخ بداه هو قول ابن هانئ الأندلسي:

كانت مُحادثة الركبانِ تُخبرُنَا :: عنْ جعفر بن فلاّحٍ أطيبَ الخبرِ

ثمّ التقينا فلا والله ماسمعت :: أذني بأحسن مما قد رأى بصري

وفي نهاية اللقاء طلب الشيخ بداه من الشيخ الحصري أن يكتب له إجازة، فضحك الشيخ الحصري وقال مداعبا:

سأكتبها لك إذا مكثت معي عشر سنوات أما قبلها فلا، ثم استطرد قائلا:

لقد أتيت جامع الأزهر يافعا ومعي ست وعشرون إجازة، ومكثت عشر سنوات أنتظر الإجازة، وحين حصلت عليها كانت هي الإجازة رقم ثلاثين في تاريخ الأزهر.

ضحك الإمام بداه قائلا إن لديه من مشاغل التدريس وأعباء الإمامة والإفتاء ما يمنعه.

لكن الشيخ بداه مكث مع شيخه الشيخ أحمدو ولد أحمذيّ ماشاء الله له أن يمكث وكان يقول:

(آن وأحمدو نعرظو القرآن طايبْ اعلينا ونعرفو معناه)

و يبدو أن الشيخين ربما اختلفا في معنى الإجازة.

فالشيخ بداه قصد بها المعنى المحظري العادي الذي هو السند أو الإجازة للتبرك، وهي شهادة مكتوبة من الشيخ المجيز للمجاز بأنه قد قرأ عليه القرآن كاملاً غيباً مع التجويد والإتقان ، وربما كان هدفه أن يتصل سنده بسند شيخ القراء في الديار المصرية حينها.

والشيخ الحصري ربما فهمها بمعناها الأكاديمي الذي يتطلب مقررات ومناهج وامتحانات وإعداد رسالة..

كامل الود

من صفحة الاستاذ/ سيدي محمد Xy

إضافة تعليق جديد