يذهب المفكر القطري جاسم سلطان في أطروحته الحضارية؛ إلى أهمية معرفة ما يسميه بـ "المدخلات القبلية" الصائغة لشخصية العالم أو الحاكم قبل مناقشة أفكاره وآرائه وتأصيل اجتهاداته. ذلك أن المرء ابن بيئته وأن "الطبع غلاب".
وفي سياق هذا الطرح ومع تعميم للقاعدة؛ تتنزل عديد الأحداث والتفاعلات المحلية خصوصا على "السوشل ميديا" الوطنية، ولعل آخرها السجال من طرف واحد الذي يتولاه الدكتور محمد إسحاق (الكنتي علما) في حلقة جديدة من مسلسل هجومه على العلامة الشيخ محمد الحسن الددو، وكذا ردات الفعل المتأتية عقب تداول مقطع صوتي قديم للداعية محمد (محمدن) ولد سيدي يحيى، رد عليه البعض من أبناء إيكاون وآخرون.
ولئن اختلفت البواعث؛ فإن المدخلات القبلية المتعلقة بشخصيات العلامة الددو والداعية محمد ولد سيدي يحيى والدكتور الكنتي ومن تكلم من إيكاون ومناصريهم؛ بقيت متحكمة في طبيعة الفعل ومدى ردة الفعل.
ففي حين يتردد الدكتور الكنتي ورفقته، على انتقاد الشيخ الددو من حين لآخر كلما عز الاهتمام وخف زخم المتابعات؛ يتمسك الشيخ الددو بموقف صانع الفعل المتغاضي عن طبيعة ردة فعل مهاجميه.
وهذا السلوك قديم لدى الشيخ الددو، حيث لم يؤثر عنه رد على مخالف أساء القول أو الفعل في حقه، ولم يعرف له سعي فق محاسبة أو سجن عدد كبير ممن وقعوا في عرضه ومارسوا في حقه جرائم التعذيب والتشهير والتلفيق، وليسوا بقلة.
ومع ذلك لم يقدم منتقدو الشيخ الددو أدلة ملموسة أو يرفعوا دعاوى داخلية أو دولية تثبت صحة مواقفهم وتبرهن على سلامة قصدهم، رغم أن القضاء أبوابه مشرعة والفضاءات العامة حرة كما لم تكن في أي ظرف تاريخي سابق.
وفي سجال الداعية محمد ولد سيدي يحيى وإيكاون، يظهر تأثير مدخل قبلي يشبه الظاهرة الاجتماعية، عكّر مزاج المنطق في حياة أجيالنا المتعاقبة، ذاك أن ذائقتنا الجمعية السلوكية الاطباعية؛ تحاول أن تكون منفتحة محافظة في نفس الوقت، متدينة علمانية في ذات السياق.
وإلى ما يعضد هذه الفرضية العلمية الحقيقة الواقعية؛ يشير الدكتور محمد محمود ولد سيدي يحيى في مقال له منشور في كتابه "المجتمع الفضفاض"، حيث يخلص إلى أن المجتمع الموريتاني بحكم تنوع روافده الثقافية وتنوعها وأقدمية بعضها على دخول الإسلام للمنطقة؛ طبّع مع عديد الأمور المخالفة للشريعة الإسلامية انسجاما مع ثقافاته السابقة، فأوجد لبعض هذه الممارسات -المخالفة لتعاليم دينه الجديد- مصوغات ومخارج شرعية، وسكت عن أخرى تجاهلا غير نسيان.
ويمكن القول إن من بين الأمور التي اجتمع فيها البعدان اجتماعيا؛ قضية حكم المزمار، والمركز الشرعي للعازف والمغني مدمن الفعل، وبتنوع الخلفية الثقافية والشرعية تتعدد وجهات النظر وتختلف.
وبالعودة لخلفية النقاش الدائر بين تبيين الداعية محمد ولد سيدي يحيى وبين مناصري إيكاون، فإن الخلفية الثقافية لداعية مسلم ظهرت في تعليقه فبين حكما شرعيا لا تخطئه العين في مظانه الفقية الشرعية قديما وحديثا، ثم في الزاوية المقابلة خلفيات ثقافية أخرى تجاوزت الحكم الشرعي في المسألة والخلاف الوارد فيها وتمسكت بمبدأ "لا تضر مع الإيمان معصية".
وتبقى نظرة المجتمع أو كتلة منه لأي فعل وتفاعلها مع صاحبه -طبقا لمعطيات الواقع المعاش- لا تعكس قيمة الفعل ولا منزلة فاعله بالضرورة، إنما تعكس انطباعا آنيا لدى أفراد أو كتل مجتمعية ما، بمعنى أن جل الآراء والأفعال؛ تكون محل تثمين بحضرة صاحبها محل نقد في غيبته. يصبح الرجل مواليا ويمسي معارضا يهب انطباعه بمستوى من انتباه مستمعيه قليل.
ولعل لهذا أيضا ارتباط بمُدخلات قبلية ما.
إضافة تعليق جديد