تناولت وسائل الاعلام وشبكة التواصل الاجتماعي منذ بعض الوقت الكتابة او الحديث عن اتفاق سياسي بين حزبي تكتل القوي الديمقراطية واتحاد قوي التقدم من جهة وحزب انصاف من جهة اخري.
ويقع الحديث عن هذا الاتفاق بعد لقاء جمع رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني بالسيدين احمد ولد داداه ومحمد ولد مولود رئيسا التكتل واتحاد قوي التقدم،وبعد مؤتمر صحفي اجراه محمد ولد مولود تحدث فيه عن الاتفاق المرتقب ووثيقته التي ستدعي الاحزاب السياسية للتوقيع عليها.
من الاهمية بمكان في هذا الظرف بالذات ان تسعي القوي الوطنية في بلادنا الي اتفاق وتعمل علي تحقيقه نظرا للظروف الدولية التي تحتمل الكثير من التقلبات مع الحرب الدائرة بين الدول الغربية وروسيا الاتحادية، ومايمكن ان ينجر عنها من انعكاسات علي الدول الضعيفة،ونظرا لجائحة كوفيد ١٩التي لم يتعافي العالم بعد من انعكاساتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
ونظرا خاصة الي الوضع في شبه المنطقة وما يشهد من
انقلابات وحروب وتدخل للقوي الاجنبية ذات الاجندات الخاصة.
اما الوضع الداخلي فبه اكثر من مبرر للبحث عن الاتفاق الذي يعزز تطبيع وتهدئة المشهد السياسي ويتيح فرصا للتحسين من الظروف المعيشية للمواطنين وخاصة الفيئات الاكثر هشاشة واحتياجا،ويقوض اسباب التوتر والنزعات الخصوصية التي تتفاقم يوما بعد يوم بفعل المنافسة المحمومة علي زعامة التطرف العرقي والشرائحي بتشجيع من بعض مسؤولي الدولة الذين يستخدمونه كورقة للابقاء علي مواقعهم.
ان الحراكات والمطالب المشروعة لبعض شرائح ومكونات مجتمعنا ينبغي ان يتم توجيهها و تاطيرها لغرض التكفل بها في اطار مشروع وطني شامل ولمنع استغلالها من قبل المتطرفين عن طريق الشحن الشرائحي وتاجيج نار الكراهية والفتنة بين المكونات الوطنية ان لم نقل بين ابناء المكونة الواحدة.
ان المبادرين الي الاتفاق السياسي سواء كانو حزب انصاف بوصفه مساندا للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي حمل منذ خطاب ترشحه،مرورا ببرنامجه الانتخابي تعهداتي وانتهاء بالبرامج والاستراتجيات القطاعية المتفرعة عن تعهداتي حمل اكثر من امل بالنسبة لاغلبية المورتانيين سواء كانو من المعارضة اوالموالاة.
اما الرئيسان محمد ولد مولود واحمد ولدداداه بالنظر الي التضحيات التي قدماها في سبيل موريتانيا وتجربتهما النضالية مثل غيرهما من القادة ورؤساء الاحزاب والساسة يقع علي عواتقهم اليوم اكثر من اي وقت مضي رسم افاق مستقبلية واعدة للبلاد.
واذا كان هذا الاتفاق سيكون مناسبة للقاء بين كل الفاعلين السياسيين وحتي يكتسي طابعا جوهريا وتاريخيا لاينبغي ان يكون مجرد اتفاق سياسي وان كانت وثيقته التي تم توزيعها تضمنت جوانب جوهرية في الحياة الوطنية مثل الوحدة الوطنية و مخلفات العبودية والمنظومة الانتخابية لكن الاتفاق ينبغي ان يرقي الي موضوعات مصيرية تؤسس لبناء مجتمع ودولة علي قاعدة بها نتمكن من استعاب وتخطي الاشكالات المرحلية.
وعليه من المشروعية بمكان ان نتساءل هل اجتمع يوما الموريتانيون او من يمثلونهم بكل استقلالية وبملء ارادتهم لرسم معالم وملامح النظام الذي يسعون الي بناءه؟
هل حددوا طبيعة الابعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية لهذا النظام؟
وبما ان الشعب الموريتاني شعب متعدد الاعراق و القوميات وبالتالي الثقافات ماهي الصيغ والسياسات الضامنة لوحدته وعيشه المشترك في اطار وطن موحد يطمئن الجميع لحقوقه داخله ويقتنع بتادية واجبه؟ ماذا فعل الموريتانيون لاستثمار في موروثنا الثقافي والديني ما يحفز ويشجع علي وحدتنا؟. اليس الشعب الموريتاني بكل مكوناته شعبا مسلما، سنيا ومالكيا؟
الا يشهد التاريخ انه لم تقع يوما بين الامارات والقبائل في علاقات بعضها البعض السياسية والاجتماعية اصطفافات عرقية؟
الم يدرك الموريتانيون منذ الاستقلال وماقبله ان المجتمع الموريتاني بكل اعراقه وقومياته هو مجتمع طبقي خاضع لتراتبية بها عبودية وظلم واضطهاد وازدراء لفيئات عريضة من المجتمع وبان هذا الواقع يتنافي مع منطق الحقوق ودولة القانون؟
كل هذه الأسئلة لم تتوفر للموريتانين او لم يوفروا لانفسهم فرصة للاجابة عنها وبالتالي تحديد ملامح مشروع المجتمع في ظل الدولة الوطنية الذي يسعون الي تحقيقه.
السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم يقع مثل هذا اللقاء التاريخي الذي كان ينبغي ان يكرس للاجابة عن كل هذه الأسئلة؟
ان السبب الرئيسي نجده في التاريخ السياسي القريب لموريتانيا خاصة منذ الاستقلال حيث مرت بثلاث مراحل رئيسية تم فيها التغييب المتعمد لارادة الشعب الموريتاني و نخبه الواعيه بواقعه ورهانات مستقبله.
المرحلة الاولي مرحلة الاستقلال التي صاغها المستعمر الفرنسي بطريقة تضمن مصالحه ترك من بعده طبقة لهذا الغرض تخدمه وتسهر علي استتباب الحالة طبقا لما يرضيه.وبهذا المعني كان الاستقلال مزيفا وليس نتاجا لارادة الشعب رغم محاولات طلائعه من حزب النهضة وغيرهم اعطاؤه مضمونا وطنيا.ويرجع الفضل للجيل المؤسس بانه خلف لنا علي الاقل كيانا وطنيا رغم تحفظات الكثيرين علي نشاته و المضمون الذي اعطي له.
المرحلة الثانية : الاحكام العسكرية الاستثنائية التي بدات مع انقلاب ٧٨ نتجة الحرب ولم يحقق انقلابيو ٧٨ الا توقيف الحرب وعجزوا عن تنفيذ بقية برنامجهم المتمثل في التقويم الاقتصادي وبناء مؤسسات ديمقراطية.فهذه الاحكام رغم محاولات بعض القوي السياسية التعامل معها في اتجاه اشراك النخب والقوي الوطنية( حكومة المرحوم سيدي احمد ولد ابنيجار المدنية) الا انها انقلبت علي هذا التوجه مكرسة بذلك تغييب الشعب وقواه الحية.
المرحلة الثالثه: دمقرطة الحياة السياسية والشروع في المسلسل الديمقراطي غير ان هذا الاخير لم يكن نتيجة تحولات اوخيارات وطنية متفق عليها، وانما كان املاء من الغرب خاصة بعد مؤتمر لابول الذي اشترطت فيه فرنسا للحصول علي عونها وتمويلات الهيئات الدولية تنظيم انتخابات ديمقراطية واحترام حقوق الانسان في البلدان الشبيهة ببلادنا.
فرغم محاولات القوي السياسية الاستفادة من هذا التوجه ومده بمضمون يخدم التناوب علي السلطة واستثمار المتاح من الحريات الديمقراطية الا ان محاولاتها باءت بالفشل وظلت الانتخابات في اغلب حالاتها صورية وظل خيار الناخب مرهونا اما بالاطر التقليدية او بسلطان الدولة وبات اذن خارج اللعبة.
وبهذا المعني ظل الموريتانيون يلهثون وراء انظمة لم يختاروها وانما فرضت عليهم فرضا.
واليوم بما اننا علي اعتاب لقاء اواتفاق نرجو ان يشمل كل القوي الوطنية وان لايكون سياسيا حصريا وانما يدشن عهدا جديدا بمناسبته نؤسس " لعقد للمواطنة" تشترك فيه فعاليات شعبية ومهنية اخري علي اساس نظام للتمثيل متفق عليه.
-يجب ان يكون مضمون عقد المواطنة تنازل كل الموريتانيين لكيان تمثله المجموعة الوطنية، فبه لم يعد هناك انتماء لكيان اخر( القبيلة، الجهة، العرق، الشريحة) سوي هذا الكيان الذي يسمو علي كل الكيانات والذي يتفاني الجمبع في خدمته والذود عن مصالحه العليا والدفاع عن سيادته واستقلاله وحوزته الترابية
-يجب كذلك ان نسعي ان يكرس الكيان الذي اضحي يمثل الجميع الي ضمان المساواة والعدالة بين كل افراد المجموعة الوطنية وان يتكفل بمطالب واحتياجات كل مجموعة محلية، مهنية،عرقية او شرائحية او جهة من الجهات التي تكون المجموعة الوطنية.
-وبموجب العقد لا يسمح باي طرح او راي او موقف مخالف لروح عقد المواطنة وان يتم السعي وبجدية الي حل كل الاشكالات عرقية كانت او شرائحية او اجتماعية في اطار عام وشامل بعيدا عن النزعات الخصوصية مهما كانت طبيعتها.
-بالاضافة الي المساواة والعدالة الاجتماعية يجب ان يضمن عقد المواطنة التوزيع العادل للمقدرات الاقتصادية وتنفيذ استراتجية محكمة عن طريق اصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وتربوية وقانونية للقضاء علي مخلفات الرق وان يعكف علي اشاعة نظام يكون فيه القانون هو الفيصل في تسيير مؤسسات الدولة والعلاقات بين الافراد والمجموعات.
ان عقد المواطنة هو الارضية الصلبة ومحطة انطلاق لبناء علاقات بين الافراد والجماعات من جهة واجهزة الدولة من جهة اخري خالية من الظلم والغبن حيث تطمئن فيه كل مكونة عرقية علي هويتها الثقافبة وحقوقها، وبحيث لاتخاف شريحة مهمشة ان وضعها لن يتغير وانها لن تنال مالها من حقوق وبحيث اننا لن نخاف من ان ابناء قبيلة او عشيرة يستأثرون بالسلطة وبالامتيازات المرتبطة بها لتتفرد بالنفوذ وبالتالي الثروة والمال علي حساب عموم المواطنين.
انه بمجرد تبني عقد المواطنة وانفاذه سيكون الطريق سالكا الي حل كل المشكلات التي نعتقد اليوم انها مستعصية.
إضافة تعليق جديد