كانت انتخابات الثالث عشر مايو الجاري مرآة عاكسة لخيارات الشعب الموريتاني بكل ما تحمله كلمة الديمقراطية من شحنة إيجابية: تنافس محموم بين 25حزبا على مقاعد برلمانية و مجالس جهوية و عمد بلديات في كل الدوائر الانتخابية داخل البلد و خارجه، حيث تنافست 559 قائمة على 176مقعداً في البرلمان، فيما بلغ عدد القوائم المترشحة للانتخابات الجهوية 145قائمة تنافست على 13مجلساً جهوياً، و بلغ عدد القوائم المترشحة للبلديات 1378، تنافسُ على 238مجلساً محلياً، و بلغ التسجيل على اللائحة الانتخابية الوطنية 1.7مليون ناخب، اقترعت منها بالفعل نسبة تزيد على 71℅، و هي نسبة معتبرة.
لقد برهن الجو الهادئ الذي وفرته الدولة ممثلة في مؤسساتها المعنية بالعملية برمتها، إضافة إلى الحياد الهادف الذي التزمه فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني و أركان حكمه على صلابة إرادة هذه النظام في الرفع من مستوى الالتزام بقوانين المنافسة الشريفة على أرضية مكشوفة و في فضاء شفاف ينعم فيه الجميع بفرص متكافئة و بحرية مطلقة في الاختيار..
و لا شك أن نجاح هذه الانتخابات هو نتاج نهج جديد و رؤية شاملة و دراية تامة بمتطلبات هذه اللحظة التاريخية، التي صنعتها سياسة الانفتاح التي ولدت بدورها إجماعا منقطع النظير على شخص فخامة الرئيس ولد الغزواني كأول رئيس توافقي للبلاد منذ نشأة الدولة الموريتانية إلى الآن.
و كما هو الحال في كل ديمقراطيات العالم، غالبا من تتململ أحزابٌ و تياراتٌ و أشخاصٌ عند ظهور نتائج الاقتراع، معبرين عن عدم رضاهم، بل سخطهم أحيانا من هذه النتائج، خاصة أولئك الذين يعاقبهم الشعب من خلال الصناديق، فيلعبون دور الضحية متمترسين بادعاء التزوير ضدهم!
إنها إِذَنْ حالة صحية، ما لم تمتزج هذه الإدعاءات بدعوة صريحة إلى حمل السلاح في وجه الدولة و الشعب و تخريب كل شيء، لا لشيء سوى لإفراغ شحنات الإحباط الناتجة عن الهزيمة في سباق مشهود!
لو كان في نية الدولة و أجهزتها أصلا تزوير الانتخابات لصالح حزب الإنصاف و إقصاء المناوئين و الخصوم، لَزَوَّرت انتخابات نواذيبو، فليس هناك أحد تحدّى الحزب الحاكم و نال من الدولة و من الحكومة ذاتها، و دخل في حرب مفتوحة ضد النظام و على جبهات عدة أكثر من القاسم ولد بلاَّل، لكن الدولة وقفت بنفس المسافة من الجميع و لم تستخدم اليد الضاربة التي كانت هي سيف الأنظمة السابقة في تركيع الخصوم.
حالة نواذيبو تلك، تؤكد على حياد الدولة بشأن الانتخابات و حرصها على تعزيز المسار الديمقراطي و مؤسساته، و أنها مستعدة لتَقَبُّلَ هزيمة أي كان، في سبيل الحفاظ على الحياد الديمقراطي.
و المتتبع للعملية الانتخابية في استحقاقات مايو، و ما صاحبها من انسحابات من حزب الإنصاف، و ما أسفرت عنه من نتائج لصالح المعارضة في مناطق واسعة من البلاد، يمكنه الجزم بحياد الدولة إلى أبعد الحدود، و إذا كانت قد حدثت بعض الخروقات في أماكن معينة، فإنها ضئيلة بالمقارنة مع نجاح العملية عموما، و المعنيُّ بتلك الخروقات أساسًا هو اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، و التي تتشكل من جميع الطيف السياسي موالاة و معارضة، حيث بذل وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين جهودا مضنية،
أفضت إلى اتفاق مع قادة الأحزاب السياسية حول النقاط الأساسية لتنظيم الانتخابات.
هذه الجهود التي عززها توفير كافة الوسائل البشرية و اللوجستية، جعلت من التحركات الباهتة و التصريحات المتناقضة لمن يسمون أنفسهم بقادة المعارضة، موضع تندر سياسي في الشارع الموريتاني، فهذه الأحزاب هي نفسها التي زَكَّتْ ما انصرم من مأمورية نظام قَلَبَ الطاولة و أعاد ترتيب البيت السياسي حتى نال قصب السبق في التوافق الوطني.
71%من الناخبين الموريتانيين قالوا كلمتهم الفصل في الانتخابات و أظهروا حجم "المعارضة" الحقيقي، و أبانوا عن التفافهم حول المشروع الإصلاحي لفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، فهل فهمت "المعارضة" الدرس؟!
حمزه ولد محفوظ المبارك