نستعرض اليوم دراسة للدكتور محمد تركى بنى سلامة، استاذ العلوم السياسية فى جامعة اليرموك الحكومية، بعنوان ” الاستراتيجية الأمريكية تجاه حقوق الإنسان فى العالم العربى” حيث هدفت إلى محاولة فهم آليات واستراتيجيات الولايات المتحدة في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان في مصر، ومحاولة تشكيل وعي عربي بالآليات والوسائل التي تستخدمها الإدارات الأمريكية في تعاملها مع قضايا حقوق الإنسان.
حيث سعت الدراسة إلى الإجابة عن الإشكالية الرئيسية التالية، هل استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه قضايا حقوق الإنسان في العالم العربي عموما ومصر خصوصا ثابتة ؟ أم هي استراتيجيات متغيرة حسب مقتضيات المصلحة الأمريكية؟
وقد استعرض الكاتب كيف اكتسب مفهوم حقوق الإنسان (Rights (Human) ، زخما أكبر منذ بداية العشرية الأخيرة من القرن العشرين حيث أصبح يحظى باهتمام متزايد في حقل العلاقات الدولية، وتجسد هذا الاهتمام في عدة مظاهر أهمها بروز العديد من المنظمات غير الحكومية التي تعنى بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى مراكز حقوق الإنسان الإقليمية والمحلية التي أنشأتها الدول داخل إقليمها لرصد أوضاع حقوق الإنسان، والتبليغ عن أي انتهاكات تحدث، كما ربطت معظم الدول الغربية بين سجل حقوق الإنسان في مختلف دول العالم الثالث وبين سياستها الخارجية في التعامل مع تلك الدول.
ويشير الكاتب الى أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 جاءت لتمثل بداية لما سمي بالحرب على الإرهاب، ودخول الولايات المتحدة تحت إدارة بوش الابن في حربين ضد نظام طالبان في أفغانستان أواخر عام 2001، بالإضافة إلى احتلال العراق في ربيع عام 2003.
وبحسب الدارسة يوضح الكاتب ان حرب احتلال العراق رافقه انتهاكات وتعديات خطيرة على حقوق الإنسان تحت ذلك الغطاء. كما تم إصدار العديد من التشريعات الدولية والمحلية المقيدة للحريات في معظم دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب ، وقد قامت الولايات المتحدة بإصدار قانون (باتريوت) الذي يهدف لحماية الولايات المتحدة من أي اعتداء إرهابي، ثم جاءت أحداث وثورات الربيع العربي لتزيد من التشريعات والقوانين المقيدة للحريات الشخصية والإعلامية وحقوق الإنسان في العالم العربي، وتسعى هذه الدراسة إلى تناول الاستراتيجية الأمريكية تجاه حقوق الإنسان في العالم العربي : دراسة حالة مصر بعد ثورة 2011 وما تلاها من احداث مختلفة كانت حقوق الانسان فيها تحتل المرتبة الأخيرة في أولويات الحكومات المتعاقبة في تلك الفترة.
ومما سبق يتضح ان الدراسة تتوافق كليا مع ما كتبه المفكر العربي على محمد الشرفاء الحمادى الذى يؤكد فيها أن الحكومة الأمريكية قررت نشر الديمقراطية في العالم، ولم تحدد معالم الديمقراطية التي تقصدها، وأهدافها، وقيمها، ومبادئها، ويتساءل أين حقوق الإنسان منها وحقوق الشعوب لاختيار أنظمتها؟ وأين العدالة من الديمقراطية الأمريكية، التى تاريخ العصابات فيها بدأ بذبح سكانها الأصليين من الهنود الحمر وأبادوهم تقريبا؟. وأيضاَ ماذا فعلوا الأمريكان بالزنوج الذين خطفوهم من بين أسرهم فى أفريقيا؟ وما هو موقف الديمقراطية وحقوق الإنسان من إلقاء القنبلة الذرية على الشعب الياباني فى كل من هوريشيما ونجازاكي؟ وما هو مفهوم العدالة فى الديمقراطية الأمريكية التى شنت حربا ظالمة على الشعب الفيتنامي، وقتلت عشرات الآلاف من أبنائه؟. ولما تم سؤال ليندون جونسون الرئيس الأمريكي آنذاك. هل بينكم وبين الفيتنام صراع مصالح أو يشكلون خطورة على أمن الحكومة الأمريكية؟ فكانت الإجابة أقبح من الفعل، أن السبب كان الخوف من قفل مصانع السلاح في أمريكا وازدياد البطالة.
الولايات المتحدة والأنظمة القمعية في العالم، ما دامت تلك الدول تخدم المصالح الأمريكية، كما أظهرت توجهات الإدارات الأمريكية المتعاقبة استعدادا دائما للتضحية بالديمقراطية وحقوق الإنسان إذا ما اصطدمت بالمصالح الأمريكية، سواء على المدى القصير أو الطويل، وتغليب سياسات القوة على غيرها من السياسيات الاقتصادية والسياسية، وجاءت نتائج الدراسة لتؤكد أن العلاقات الأمريكية المصرية تحكمها مصالح استراتيجية متبادلة وضعت دائما سقفا وحدودا لمستوى التصاعد أو الصدام بينهما، وتتمثل في المحافظة على معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، والمرور العسكري الأمريكي في قناة السويس، والتعاون الأمني والاستخباراتي في مكافحة الإرهاب، كما شهدت العلاقات الأمريكية المصرية تجاه حقوق الإنسان تغيرات وتباينات فى الخطاب المعلن ، لكن المواقف الفعلية لم تتغير وظلت ثابتة وتستند على المصالح فقط.