لا يساورنا أدني شك أنه من أهم خصائص النظام الديموقراطي ، إلي جانب الدستور الذي يضع القواعد الأساسية لنظام الحكم و سيادة القانون الملزم للجميع و حرية التعبير و إبداء الرأي التي هي جوهر هذا النظام ، يأتي في سلم الأولويات حرية تكوين الأحزاب السياسية لما لها من أهمية بالغة في مجال التنظيم و المسؤولية في مباشرة الحكم في إطار مبدأ التناوب علي السلطة و فق آليات النظام الديموقراطي المتعارف عليها.
كما لا يختلف إثنان في وقتنا الحاضر حول المزايا التي يوفرها هذا النظام لصالح الشعوب علي مستوي المساواة في الحقوق و تكافأ الفرص بين جميع المواطنين و في مشاركتهم الفاعلة في تسيير الشأن العام بصفة عامة.
لذلك ، إدراكًا منه لهذه الحقيقة ، فقد ركز رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في إطار مقاربته لحل الأزمة السياسية التي عاشتها البلاد خلال العقد الماضي ، علي إرساء جو من التهدئة السياسية يمكن من إستعادة الثقة بين الفرقاء السياسيين و العمل علي إدخال الإصلاحات السياسية علي المنظومة الإنتخابية في مسعي واضح من الرجل لتجاوز إشكالات الماضي و إستعادة الثقة بين الدولة و مواطنيها و إقرار التشريعات اللازمة لإقامة نظام حكم قائم علي أسس دولة الحقوق و الإلتزام بالقانون .
في هذا السبيل تمخضت مخرجات التشاور السياسي الذي تولت وزارة الداخلية واللا مركزية الإشراف عليه عن نتائج إيجابية أفرزت إدخال النسبية في قانون الإنتخابات التشريعية و الجهوية و البلدية، كما تم في إطار تدعيم الحريات الفردية و الجماعية إعتماد إقرار نظام التصريح بدل الترخيص المسبق بالنسبة لهيئات و جمعيات المجتمع المدني.
و تأتي هذه الإصلاحات في تناغم تام مع فلسفة الرئيس و رؤيته للديموقراطية التي تتطلب من وجهة نظره تطويرًا مستمرًا علي الدوام و صونًا غير منقطع و ذلك بهدف تعزيز الوعي بضرورة ترقيتها و الدفاع عنها و عن قيمها السامية.
و علي الرغم من أهمية هذه الإستحقاقات الإنتخابية المزمع تنظيمها من حيث التوقيت و السياق الذي تأتي فيه ، فإنها في الوقت ذاته تشكل إختبارا صعبًا لمدي إلتزامنا بتطوير تجربتنا الديموقراطية عبر خضوع المنخرطين في الأحزاب للقرارات التي تصدر عن هيئاتها القيادية و القبول بمبادئ المنافسة الشريفة التي تحددها الأطر القانونية في هذا المجال .
و قد حذر فخامة الرئيس الحريص علي نزاهة الانتخابات من مخاطر الإنسياق وراء النفس القبلي و الجهوي و الشرائحي في أي دعاية كانت حزبية أم إنتخابية، لأن ذلك يضعف التماسك الإجتماعي و يحول دون تحقيق الوحدة الوطنية و هو مناف لخيار الولاء للدولة و لمؤسساتها. فالطموح لشغل المناصب الإنتخابية حق مشروع للجميع لكنه بالنسبة للرئيس لا يمكن أبدًا أن يكون ذريعة للمساس بثوابت الأمة و بمصالحها العليا.
فهل نحن منسجمون و هل نقدر حقًا حساسية الظرف و دقة المرحلة التي تمر بها بلادنا؟.
محمد الراظي بن صدفن