إذا كان بين العدل والانصاف من الفروق الدلالية ما لن نستطرد فيه بالشرح، فإنه يهمنا الآن وبالدرجة الأولى، وصفة ملحة استعجالية أن نبين أن :
- العدل هو الصفة الدالة على الحكم على أشياء أو الحكم بين شخصين أو أكثر؛ من خلال قوانين خارجة عن ذات الانسان الذي سيحكم، بناء على معايير قوامها الأول المنطق.
- أما الإنصاف فهو : قرار بتصرف ينشأ في نفس من يتصف به، دون أن يكون بين شخصين أو أكثر، فهو إذن حكم وقرار بتصرف موصوف بذاته بهذه الصفة صفة (الإنصاف).
وبناء عليه فإننا نخاطب الإنصاف على وجه الاستعجال: أن العدل اسم من اسماء الله، وغاية جلا، وهو أساس الملك، ويحب أن يتحقق حتى يمكن تحقيق ما بعده من أمن عام وسكينة عامة تتطلبها ضرورة التنمية وعملية البناء والتقدم.
تابعت في بعض المجموعات القانونية عروضا للأستاذ سيد المختار، ومرافعات يعرض فيها بعض القضايا تخص الهيئة الوطنية للمحامين الموريتانيين، ساق فيها بعض المبررات لما يعرض دائما في البثوث المباشرة، وبعض الاختلالات التي تبدو عقبة أمام ارساء قواعد العدل والانصاف، وحجر عثرة حقيقية أمام ذلك، في القانون المنظم للهيئة، وبعض البنود التي تضمنها هذا النظام الأساسي، والتي تبدو عائقا في سبيل نشر العدل بين أعضاء الهيئة قبل أن تكون الهيئة جهازا ضروريا، و ركنا ركينا في أجهزة العدالة، وضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة.
شاهدت "الفيديو" المتداول كغيري من الموريتانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتأذيت من محتوى ذلك الفيديو -ويظهو فيه أساتذة بالزي المميز للدفاع ويتلفظون بألفاظ فاحشة- وأعتقد أنه أساء لكل مواطن موريتاني، وأساء على وجه الخصوص للقانونيين منهم، وشوه سمعة العدالة الموريتانية في الداخل والخارج، وحان الوقت للنظر في موضوع الخلاف بين الأستاذ والهيئة، وإيجاد حلول للأزمة التي لم تعد أزمة داخلية فحسب، بل صارت أوسع من نطاق البيت الداخلي وترتيباته.
يستعرض الأستاذ سيد المختار ولد سيدي أمورا تبدو لمثلي اختلالات واقعية، كنت قد كتبت عن بعضها، ووجهت رسالة للهيئه، ممثلة في نقيبها، ولقد بين الأستاذ من الاختلالات ما تجاوز حدود ملاحظتي الشخصية، وربما كان ذلك لسعة اطلاعه، على عكس ما عليه الحال بالنسبة لي شخصيا، وكان متوازنا في طرحه وشرحه في كثير من الحالات، وفي نقاش كثير من المسائل؛ مثل وضع الهيئة الاحتكاري، وصياغة نصها المتحيز لمنطقة معينة على حساب المناطق الأخرى، تلك المناطق التي توجد فيها محاكم على غرار منطقة الهيئة الوحيدة، ويغمط حق أهل تلك المناطق في الدفاع الذي تكفله النصوص، وتستدعيه ضروريات المحاكمة العادلة، ويتطلبه الأمن والسكينة العامين، وكعدم الإذن لمنتسبي الهيئة بمقاضات بعضم البعض الآخر، حتى ولو كان ذلك بموجب اعتداء على الملكية الخاصة، ومن سيفصل في ذلك النزاع في النهاية هو القضاء، والذي يفترض فيه التوازن والانصاف، ويفترض في منتسبي الهيئة عدم الخوف من المثول أمام القاء، وعدم التحرج منه، أو عدم النصياع له في حق نفسها أو منتسبيها.
يستعرض كذلك بعض مقتضيات القانون المنظم لمهنة المحامات، ويصفه بالاستبعادي، في زمن الحريات، ويصف هذه المقتضيات على أنها جرائم في القانون الجنائي الدولى، وقد بين أنه يفرض على المحامي، وكل المحامين الموريتانيين أن يكونوا عبيدا وهو تفسير منطقي ووارد بحسب القانون الذي يذكر دائما درجته ورقم المادة التي تشير إلى هذا المقتضى وهذا التفسير.
يدعو الأستاذ سيد المختار إلى العلنية، وإلى المكاشفة، وإلى إشراك المواطن العادي، وانصافه بحقه في المعلومة، ويدعو إلى النقاش العلني لهذه المواضيع، فلماذا لم تسكته الهيئة ؟
رأيت قرارا من الهيئة بشطب اسمه من لائحة المحامين، ورأيت حيثيات هذا القرار وعلى ماذا يؤسس، وسمعت بعض منتسبي الهيئة يعلقون عليه، وشاهدت كيف تصرفت المحكمة العليا بحقه، وسمعت تصريحات من الهيئة بشأن ذلك التعليق، وسمعت كيف تنفي عن الحارس المتقدم قدرته على تعليق قراراتها، وعلويتها على المحكمة العليا، وسمعت انتقادها لرئيس المحكمة العليا، ولقراره بعزل نفسه لعارض من عوارض الخصومة، وسمعت من سيد المختار في منصات دولية وأخرى على التواصل الاجتماعي حوله وحول سببه، ورأيت أن هذه التفاعلات كلها تنبئ بأن وضع عدالتنا ليس بخير، ويجب الاسراع في تقديم الحلول المناسبة، فأمر العدالة كركيزة أمنية واقتصادية واجتماعية لا يحتمل التأجيل.
اسكتوا سيد المختار بتشريع مماثل لما عليه الحال في الدول الأخرى، وتحديدا في أم قانوانينكم (فرنسا) أو اسكتوه بحجة أو بحجج مقنعة؛ تبين وتوضح لنا جميعا أن وضع عدالتنا وشعبنا يختلف اختلافا يصوغ معه اعتماد تشريع مغاير للتشريعات الأخرى، أو يستحيل معه مماثلته لها، إذا وجد أساس ومبنى يمكن أن يركن إليه في تسويق ذلك.
اسكتوا سيد المختار بالحجة والبرهان، أو اسكتوه بانصافه.
وإذا كان حقل الحقوق ميدان لإحقاق الحق وإبطال الباطل، وحلبة للمصارعة كذلك، وميدان للصدام والتصادم سعيا إلى إحراز الحقوق، وصونا للمصالح، والضجيج فيها ليس أمرا غريبا؛ بسبب التعارض الحتمي بين المصالح، فإن الأمر الغريب فيها؛ أن يكون الضجيج بغير نصوص القانون، أو بالحجج الدامغة والبراهين العقلية والنقلية؛ التي لا ريب في صحة دلالاتها ولا صحة ورودها.
وأدعو هنا حماة الانصاف ودعاته، واناشدهم بأن يساعدونا في وسائل تجاوز هذه الاشكالات البسيطة، لنتجاوزها إلى غيرها مما هو أعمق وأحق كشهادة الكفاءة ووسائل احرازها، وكالشفافية في دخول معهد المهن القانونية، ومنح شهادات الكفاءة، وكتوفير الكتابات القانونية التنويرية، وكالنشر القانوني، على غرار هيئات المحامين في العالم، وتنظيم معارض الكتاب القانوني، ووو......
تأملات عاطل