ما احوجنا ونحن على مرمى حجر من الإنتخابات الرئاسية المنتظرة في يونيو القادم في بلدنا إلى تحكيم معايير الجرح والتعديل على الرجال السبعة؟ لتنخل المتطفيلين وقطع الطريق على المتهافتين من طالبي الترشح للمصب السامي المسكين من كل حدب وصوب.
لما سمعت أحد الطفيليين وهو يخبر اصحابه بأنه سيتقدم للترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، حضرتني حكاية عالم محدث مشهور فقد قطع مسافة ثلاثة أيام لسماع حديث من أحدهم فوجده يخادع ناقته بعلف كذب فرجع أدراجه ولم يأخذ منه الحديث لأن من كذب على ناقة كان أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.ن ورحم الله من عرف قدره وجلس دونه، ولعاب الجميع يسيل طمعا في الكرسي، وما يدره من مال مغلول بلا عناء.
وأمام هذا التطفل و التهافت أرى أن الجماهير لابأس لو جربت في نفسها في الإستحقاق المنظور سياسيا وديموقراطيا علم الجرح والتعديل الذي هو صناعة إسلامية فرضها صيانة للدين لتحري صدق الحديث وما احوجنا هذه الأيام لصدق الحديث والوفاء بالوعود الإنتخابية.
فهذا العلم كان هو المعيار الذي يقيس به علماء الحديث الرجال . فمن عدله علماء الحديث كان عدلا ، ومن جرحوه أسقطوا روايته للحديث وضعفوه ولم يأخذوا بها في تشريع. والجرح والتعديل عند المسلمين ليس مجرد شهادة حسن سيرة إدارية تسحب من مصالح الأمن ،أو شهادة تبريزمن المحاكم كما هو الشأن عندنا بل هي شهادة عدول، بل شعب باكمله لا شهادة إداريين ليس بينهم وبين العدالة إلا الخير والإحسان كما يقال . ولو أننا طبقنا معايير علم الجرح والتعديل لسهل على الناخبين من شعبنا المسكين الوصول إلى الإختيار الأحسن من بين الترشيحات المعروضة علبه وتزول عنه تلك الحيرة والشك والتردد قبل وأمام صندوق الإقتراع وذلك في حسم الأختيار الأحسن لا الأسوأ ، ذلك أن البعض من الطفيليين السياسيين والسماسرة سوف تضيع عليهم الفرصة ، وهم الذين جربوا كل أنواع الوصولية من أجل المناصب . فالذين يرحلون من حزب إلى آخر، ويبدلون جلدوهم السياسية كل مرة كما تبدل الثعابين جلودها لا يمكن تعديلهم بل هؤلاء لا بد من تجريحهم، لأنهم إنما هم ناقلين أو متنقلين بين الأحزاب طمعا في المناصب ليس إلا. وأظن أن الشعب والتاريخ سجلهم ويعلمهم علم اليقين من قبل ومن بعد و لا يجب عليه تعديلهم اليوم لأن من كان بالأمس مفسدا لا يمكن أن يصير بين عشية وضحاها قديسا.
وأما الذين سجلت عليهم وظائفهم الإخلال بالواجب فلا يمكن تعديلهم لأنهم يعدمون الضمائر المهنية الحية. فكيف بمن لا ضمير له في وظيفته أن يكتسب هذا الضمير في مهمة سامية ؟ والذين ورثوا الترشح عن آبائهم كما تورث التركة لا يمكن تعديلهم لأنهم سيتعاملون مع المسؤولية كتعاملهم مع التركة ويتصرفون فيها تصرف الوارث في الإرث . والذين يحكمهم الاندفاع القبلي أو الجهوي او الفئوي.. ولا كفاءة لهم لا يمكن تعديلهم لأنهم إذا ما ظلوا على اندفاعهم ، وهم يتقلدون المسؤولية ضلوا وأضلوا. والذين تدفعهم الحاجة إلى الترشح لا يمكن تعديلهم لأن الطمع يتحكم فيهم، ولن يغادرهم الطمع ما دام هو محركهم الأساس. والذين يطلبون المسؤولية ويحرصون على الإمارة لا يمكن تعديلهم، لأن طالب المسؤولية تغلبه مسؤوليته. ومن عرضت عليه غلبه الله عز وجل عليها . د والذين ساءت أخلاقهم، وسجلت عليهم خوارم المروءة لا يمكن تعديلهم، لأن من ساء خلقه ساء عمله. والذين يقدحون في غيرهم لتزكية أنفسهم لا يمكن تعديلهم لأنهم تحت تأثير الشنآن، وهو قادح في العدل والموضوعية، ومن قدح في منافسه لتزكية نفسه وجب القدح فيه أيضا. فإذا ما استعملنا معايير الجرح والتعديل في حق هذه الفئات كانت النتيجة حتما تزكية المرشح العادل والمؤتمن المؤهل لتسيير دفة حكم البلاد والعباد، الحريص والأمين على المصالح العليا للبلد.
ولما كانت هذه المعايير غائبة فذاك لحسن حظ المنتخبين المترشحين للرئاسيات ، ومن سوء حظ المواطنين الناخبين المغلوب على امرهم ،فهنيئا لراكبي القصب الجياد، ورحم الله المسؤولية والأمانة في هذا البلد المسكين . والشعب قادر على استعمال بعض معايير الجرح والتعديل التي ذكناها يوم التصويت إذا كان مستقبل بلده يعنيه.
عبد الله ولد اكوهي