انواكشوط : قصة سكان الأحياء الشعبية ... رحلة العذاب في غياب السلطات

يعيش سكان الأحياء الشعبية حالة من البؤس، والشقاء، تثير الشفقة والرحمة،عشرات النساء يتسابقن في الهزيع الأخير من الليل، رغم مخاطر ما يخبؤه الظلام، والطرق الموحشة إلى الطوابير على نقاط توزيع السمك ليحصلن على مقدار ربع أو أقل من السمك ليمكن من توفير وجبات الغداء في ظل الارتفاع المذهل للأسعار، وغياب الرقابة، على التجار الذين يلهبون سكان هذه الأحياء بسياط الغلاء ليجنوا من ذلك أرباحا لا يمكن تخيلها، ويزادوا ثراء وبطرا...مشاهد من البؤس ، والشقاء تنفطر لها القلوب.ز مع ذلك لا تحرك الشفقة ولا الرحمة في قلب النظام الذي يتجاهل الحالة المزرية للسكان في الأحياء الشعبية.

صور من الشقاء والبؤس..

عبد الله عسكري سابق، قضى حياته في الخدمة العسكرية، بعد إحالته للتقاعد وجد نفسه محاطا بمشاكل الأسرة التي تتكون من زوجته وبناته الأربعة، وأبنائه الثالثة، أكبر أبنائه بنت في الثامنة عشرة من العمر، تركت حجرة الدرس قبل أربع سنوات، وتزوجت من قريب لها،طلقها بعد سنتين من زواج قضاها معها يجر كل منهما الآخر بين الشرطة والمحاكم، إحدى بناته الأربعة معاقة حركيا، أنباءه الثلاثة أكبرهم لديه أربعة عشرة سنة ترك حجرة الدرس هو الآخر وتوجه للعمل الحر، بائع متجول بين الأسواق.

يعمل الوالد عبد الله في شركة للحراسة يتقاضى راتبا ضئيلا لا يكفي مع ما يحصل عليه من المعاش ما يسد الحاجة الكبيرة لطلبات الأسرة،من غذاء وملبس ومشرب.. اضطرت زوجته إلى القيام بنشاط حتى تساعد في تأمين جزء من الأعباء، فتحت كشكا صغيرا في ركن المنزل الذي يتألف من ثلاثة غرف وحمام ومطبخ تم تغطيتهم بالزنك.

تعيش الأسرة على غرار الأسر المجاورة لها حالة من البؤس تأكل قلوب الأبناء الذين يحسدون غيرهم من الأسر في أحياء أخرى  ينعم أهلها بالبذخ والثراء، ونعمة حرموا منها وينعم بها غيرهم.. عائشة ابنة أخت زوجة عبد الله تزور الأسرة مع نهاية كل أسبوع، تملك سيارة ومنزلا فخما، وأبناءها يدرسون في مدارس تصرف عليهم سنويا مبالغ كبيرة، زوجها كان رفيق زوجها في الجيش  قبل أن يتركه ويتوسط له قريب له للعمل في شركة للتعدين والتنقيب، حصل من العمل فيها على أموال كثيرة، رفعتهم من الحي إلى سكن حي راقي  في حي صكوك لكصر تفرغ زينه.

عمر شاب حاصل على شهادات عليا في مختلف التخصصات، أدبية علمية، أرغمته ظروف أسرته.. والده المسن والعاجز عن الحركة، وحال والدته التي تعاني من أمراض مزمنة، والحفاظ على أختيه من الانحراف على أن يعمل في المعلوماتية  في سوق نقطة ساخنة،في مجال إصلاح الهواتف .. يسكن في ركن من حي شعبي بأحياء الترحيل في قطعة أرضية حصلت عليها الأسرة من التأهيل في عرفات.. عاجز عن الزواج رغم تقدمه في السن بسبب الفاقة والعجز المادي.. فالذي يحصل عليه من العمل المضني لا يكاد يكفي نفقة أسرته، حتى أنه يعجز في بعض الأحيان عن الحصول على الأدوية لوالده، فيضطر إلى الدين.

النفوذ وغياب الدولة...

رغم الشهادات التي يحمل عجز عن الحصول على عمل يمكنه من تأمين حياة كريمة لأسرته ولنفسه، أصدقاءه من اللذين يعرفهم بمستوياتهم المتدنية، بل بعضهم ترك التعليم في بداية مشواره، يتبجحون بالمال، وينفقونه إنفاقا، لأن أسرهم أمنوا لهم عملا مدرا للمال بنفوذهم وعلاقاتهم الفوقية..

ويزيد حال الأسرة في الأحياء الشعبية تعقيدا.. وتتفاقم المشاكل الاقتصادية إلى الأسوأ بسبب الفوارق التي خلقتها القطاعية والنفوذ... وغياب سياسة ناجعة للدولة .

 

نقلا عن الحوادث