آيات القرآن لا تخضع للشكوك / علي محمد الشرفاء الحمادي

على مدى أربعة عشر قرنًا لم يستطع المتآمرون أن يبدلوا من آيات القرآن أو يضيفوا عليه أو يضعوه تحت تحكيم العقل من حيث المصداقية أو يبينوا فيه ضعفًا في المقصد والمعنى والمبنى، لأن الله سبحانه تحدَّى الناس بقوله: «وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» «البقرة: 23»، كما تعهَّد الله بحفظه في قوله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» «الحجر: 9»

ولن تخضع آياته للشكوك والظنون مهما حاول المجرمون ولن ينجح أعداء الإسلام في محاولات الافتراء والتزوير والله سبحانه يتحداهم بقوله: «يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» «التوبة: 32»

تحكيم العقل فيما ينسب للرسول

أما الروايات التي أطلقوا عليها الأحاديث فهي أقوال بشرية وروايات إسرائيلية وأساطير مروية افتُريت على رسول الله وما يدل على تلك الافتراءات حين تصبح الأحاديث موزَّعة على «41» نوعًا صنعها وقسَّمها البشر، ونشرتها قوى خفيّة تستهدف النَّيل من القرآن وعزله عن المسلمين ليتوهوا بين الروايات حيث يقول سبحانه: «وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا» «الفرقان: 30»

لقد التبس الأمر على الناس بين الفعل والقول، فسنة الرسول هي كل صفات الفضيلة التي وردت في القرآن الكريم والقيم النبيلة التي كانت هي سلوك سيرته بين الناس، لأن السنة عمل وليست أقوال أو روايات تأكيدًا لقوله سبحانه وتعالى: «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» «الأحزاب: 21»

السنة الحقيقية

والأسوة هي السيرة والمعاملة السلوكية تطبيقًا للآداب القرآنية والسنة الحقيقية والفعلية هي القدوة، والقدوة عمل فالله يريد لعباده أن يقتدوا بسلوك الرسول في أخلاقياته وتعامله مع كل الناس دون تمييز بالرحمة والعدل والإحسان والسلام- وغيرها من القيم السامية.

ونظرًا لتشويه السنة الفعلية وإطلاق مُسمى السنة على الروايات المفتراة على الرسول؛ حدثت الكوارث للمسلمين من تشرذم وتفرُّق واقتتال وتعدد المرجعيات وحلَّت البغضاء والكراهية بينهم بدلًا من المودة والرحمة، حدث ذلك في الماضي ويحدث اليوم…

فكم من دماء سالت؟

وكم من مدن دُمرت؟

وكم من نساء ترمَّلت بسبب تلك الروايات، وما أطلقوا عليها سنة مطهَّرة؟

جرائم باسم الإسلام

واليوم تحدث تلك الجرائم باسم الإسلام من داعش والتكفيريين والإخوان والقاعدة وغيرهم من الذين يرفعون شعار الإسلام باسم الله اكبر، يقتلون الأبرياء ويدمرون المدن ويشردون الأطفال.

هل ذلك ما يريده المسلمون لتشويه صورة الدين الإسلامي والإضرار بمكانة الرسول عليه الصلاة والسلام؟ وتشويه سيرته العطرة؟ وتشويه صورة رسالة الإسلام التي تدعو للرحمة والإحسان والعدل؟

ولو أنهم اتبعوا سيرة الرسول وأفعاله وسلوكياته لما حدثت للمسلمين تلك الكوارث منذ أربعة عشر قرنًا إلى اليوم، ولكن أكثر المسلمين ما زالوا مُصرّين على أن الروايات المزورة والإسرائيليات والحكايات المنسوبة للرسول هي سنة الرسول يجب أن تُتبع وهي المرجعية الشرعية للمسلمين.

إضافة لذلك كان النبي محمد عليه الصلاة والسلام يتصف بأنه قرآنٌ يمشي تأكيدًا على تطبيقه كل الصفات النبيلة، وعناصر الفضيلة في سيرته وتعامله مع الناس، ولذلك وصفه الله سبحانه: «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ» «القلم: 4»، وقوله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» «الأنبياء: 107».

فهل من يمارس تلك الصفات سيدعو الناس لقتل الأبرياء أو الاعتداء عليهم أو إقصاء من يخالف دينه أو عدم رد السلام على من يؤمن بدين آخر أو يعتدي على حقوق الناس أو يتكلم عنهم في غيبتهم أو يستولي على حقوقهم.

اتباع الرسول في أخلاقياته ومعاملاته

تلك الصفات التي وصفها الله لسلوك رسوله تفرّق بين المسلم المؤمن وبين المسلم الذي يهتم بالشعائر فقط فيصبح مسلمًا اسمًا ويهمل اتّباع الرسول في أخلاقياته ومعاملاته، والله سبحانه وصف المسلم بقوله: «وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ» «فصلت: 33».

فارتبط القول بالعمل كماجاء في القرآن الكريم بأنه؛ تطبيق التشريعات والالتزام بالأخلاقيات في العلاقات الإنسانية وعمل الصالحات واتخاذ الرحمة مبدأ والعدل قاعدة والأخلاقيات سلوكًا وأداء العبادات وما تتطلبه من تأديتها في أوقاتها من صلوات وصوم وزكاة وحج بيت الله الحرام، وليس المسلم من صلى وحج فقط، والله ينبّه المسلمين من خطورة تجزئة أركان الدين بقوله سبحانه:

«إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» «البقرة: 159»

مسؤولية من يصدق الأساطير والروايات المكذوبة

فعلى المسلمين أن لا يصدقوا كل الروايات المنسوبة للرسول والمزورة من إسرائيليات وأساطير مكذوبة عليه، سيتحمل مسؤولية من نقَلها أو روَّجها أو نشرها أو آمن بتلك الروايات ويكون مصيره جهنم وعذاب عظيم حيث يقول سبحانه:

«قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ» «يونس: 69» بأن علينا اتباع سيرة الرسول التي أمر الله المسلمين بأن يتبعوها في قوله سبحانه:

«لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» «الأحزاب: 21».

والله يصف رسوله بقوله سبحانه: « لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ» «التوبة : 128».

وكما دعى الرسول بقول الله سبحانه: «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ « «آل عمران:31»

إضافة تعليق جديد