تراث النخيل في مدينة شنقيط / بقلم إسلم بن السبتي

قال تعالى في محكم كتابه العزيز مخاطبا لمريم" وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا". فمنذ ذلك الزمن والبشر متعلق بالنخلة وما تنتجه من رطب لذيذ المأكل، جامع لحياة الإنسان في مناحي اجتماعية واقتصادية. والنخلة عرفها العربي في حياته فوصفها ووصف ثمارها وأمراضها، وشبه بها في طول العمر. فالنخلة تراث إنساني له أدواره البارزة في صياغة حياة بعض الشعوب، ومنه بالطبع حياة ساكنة مدينة شنقيط العامرة.

وقد انطلق الشناقطة من حب راسخ وعميق للنخلة العربية التي أينعت وأثمرت وأعطت لكل من خدمها واعتنى بها حق العناية، أعطته ما يحتاجه من ثمر للأكل، والدواء، وللبيع في وقت الحاجة وبهذا أصبحت تراثا لأهل شنقيط يحتاج إلى كتابة وتدوين وتوثيق.

لا توجد وثائق تثبت متى؟ ومن أين حضر النخيل إلى أرض شنقيط؟ ولكن الثابت أن النخيل عريق في المدينة. فما زالت بقاياه شاهدة على أطلال المدينة القديمة(آبير)، أما شنقيط الحديثة فهي مدينة نخيل غرسه الآباء والأجداد حتى أوصلوه لأحفادهم في هذا الزمان. ولم يقتصر الشناقطة في غرس النخيل على المدينة بل حملوه إلى أماكن مجاورة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، واحة (تيمنيت).

في المدينة أماكن عدة عرفت بكثرة النخيل:

1_ اتويراتن، وهي الأماكن الشمالية من المدينة وكانت عامرة بالنخيل وأنواعه الجميلة وقد قضى عليها الجفاف بكاملها ولم يبق منها إلا رؤوس النخيل المنطمرة في بحور من الرمال الزاحفة.

2_ انتكمكمت، وهي الواحدة الوحيدة الباقية على حالها من مدينة شنقيط، بل تتوسع أحيانا وهي المزود الرئيس للمدينة بأنواع التمور .

3_ تندوعل، وتعرف في بعض الوثائق القديمة ب "تندوال، تندوَلِّ". وهي لا زالت عامرة وإن كانت الرمال بدأت تفعل فيها فعلها، حيث طمرت البساتين الشمالية منها.

4_ آبير، المدينة القديمة وما زال يحتفظ بقليل من النخيل، ويعتبر مكانا تراثيا أصيلا. تحيط به الرمال الذهبية من كل مكان ويرقد مطمئنا بين أجنحتها الدافئة إلى يوم الدين.

5_ تمنكست، وكانت واحة عامرة بالنخيل، وتأتي في منعطف بطحاء شنقيط الجميلة حيث تجتمع مياه السيول، فتسقي كل ما به من نخيل، ويحصره من الشمال جبل من الرمال الذهبية، كان في أوقات غابرة ينزاح نحو البطحاء وما بعدها من النخيل، ولكنه بحمد الله توقف  بصفة شبه نهائية. وهو الآن مكان سياحي جميل حيث يمكن أن ترقب من فوقه أفول الشمس في منظر ذهبي جميل. وهذا المكان قد اندرست حدائقه وزرع مكانها حزام من الشجر الواقي من الرمال الزاحفة.

6- البقعة، وهي قريبة من (تمنكست) وهي مكان جيد لغرس النخيل، حيث كانت تجتمع فيه المياه التي تأتي مع بطحاء شنقيط الجميلة قبل أن تنساب معها انسيابا. وكانت مليئة بالنخيل قبل أن يقتلها الجفاف والرمال الزاحفة من المنطقة الشمالية. وقد مات نخيلها وزرع مكانها الحزام الأخضر المذكور سابقا.

7_ واحة المدينة، تنقسم إلى أجزاء عدة ومسميات مختلفة منها: تناير، وقد اندرس نخيلها ولم يبق منها أي شيء وبدلت بكثبان الرمل الزاحفة. وتندوجه، وهي المكان العامر حاليا ، وأفدنات، واقلاوة، وأقوج، وتدكنت، ولحفيرة.

8_ الزر الكبلي، وفيه كثير من النخيل، منه منطقة اندرست تعرف ب(إكرظون) كانت مليئة بالنخيل .

9_ أقفررت، وهي واحة قديمة تقع في جنوب المدينة كانت يومها عامرة بأبناء المدينة لكنها اندرست واندرست الحياة التي كانت تعج بها، وتقع بقربها "عين الحمر" وهي حبس لآهل حبت شرب عليها كثير من الناس وأكل تمر النخيلات المعدودة التي كانت بقربها. واندرست هي الأخرى ولم تعد بها حياة. وهي مكان تراثي غاية في الجمال إذ تقبع في وسط بطحاء شنقيط المبسطة التي تمثل هي الأخرى منظرا جميلا، وخاصة حين تمتلئ ماءا بفعل السيول، وتنمو على جوانبها الشجيرات الخضر وتتحرك في جوانبها أنواع الماشية.

غرس النخيل:

يقوم أهل شنقيط بغرس النخيل في مكان دافئ، ويكون ذلك بإنشاء حظائر من "عيدان أكنين" ويدفؤونه بالحشيش. إذ يعتبرون أن النخيل لا ينبت في الأماكن التي تكثر فيها الرياح. ثم يبدؤون بحفر عين الماء(الحاسي، العين)، وذلك ببدء الحفر حيث يقومون بصناعة (أجف) وهو مربع من أعواد أيكنين مع الحشيش، وتوضع عليه الحجارة ويبدؤون بإنزالها أي الحفر تحتها من جميع الجوانب وبصفة هندسية دقيقة، ينزلون تباعا حتى يصلوا إلى مقدار الماء المطلوب. ومع وصولهم إلى الماء تكون العين قد تم(زرفها) أي بناء الحائط الدائري الذي يراه الناظر الآن. ويصل الماء في بعض الأحيان إلى مترين أو ثلاثة أمتار. وهو ما يسقي الحديقة الكبيرة. وعندما ينقص الماء عندهم يقومون بعملية إنزال جديدة تعرف عندهم ب(اتججي) أي إزالة كثير من التراب التي عادت إلى قعر عين الماء. ثم تستمر العملية بإغلاق جميع الأماكن التي تأتي منها التراب وذلك بوضع ما يسمى عندهم ب(آفكام) فتنغلق تلك الأماكن وتسكن التراب. هذه عملية تراثية قديمة. أما في أيامنا هذه فقد صنعوا لها آليات أخرى يقوم بها العارفون بتلك العمليات.

وبعد أن يتوفر الماء بالمقدار الكافي يقوم أهل شنقيط بصناعة وسائل خاصة لجلب المياه من تلك العيون التي قد تطول أو تقصر ومن أهم تلك الوسائل وأقدمها الآلة التراثية المعروفة ب"أشيلال". فهاك طريقتهم في صنعتها.

إن صناعة تلك الآلة تتطلب مهارة ودرية. فهي تقوم على عودين(الركايز)، وتقوى حينما تضعف بعودين يغرز كل واحد منهما أمام الركيزة المماثلة، ويسمى كل عود إضافي باسم (آورشد). أما الخشبة المتوسطة(وتسمى: أنوذر) فهي التي تربط الركايز فيما بينهما، وتحفر وسطها حفرة تدعى(تككان). وفوق أنوذر توضع خشبتان، مربوطتان فيما بينهما. فأما الأولى فهي (الركبة) التي تحمل بدورها الرشاء(الرش) ويوضع (الدلو) في رأس الرشاء الأسفل مما يلي الماء، ويصنعونه من جلد الماعز، حيث يشد على ما يعرف، (اتكنزيه) وعليها يربط (التيدبان) على شكل ثلاثي وبرأسه يوضع عظم قوي يربط به (الدلو) مباشرة فيكون أقوي وأشد ربطا فيما بينه وبين (التيدبان). و(الدلو) عندهم (دلو أشيلال، وهو الدلو الكبير، ودلو الشركه، وهو أصغر من الكبير). وأما الخشبة الثانية المربوطة (بالركبة) والمسماة( تغرمه)، فإنها تربط بأنوذر من خلال إدخال الوتد في (تككان)، فتوضع حجارة(حجرة لبطن) وهي بوزن الدلو في مؤخرتها وتسمى عندهم(ب:تكيدل). بحيث تكون الخشبة تتكئ على مؤخرتها بحكم ثقل الحجارة الموضوعة عليها، وتربط ب(أحشاي) الذي يشد (تكيدل) بكل قوة على مؤخرة (تغرمه).

أما الحبل الممر المعقود في الرأس الأمامي للخشبة فإنه يربط بالدلو، ويقوم الساقي بإنزال الدلو إلى قعر عين الماء، وحين ما يمتلئ يرفعه إلى الأعلى فيساعده ثقل الحجارة الموجودة في مؤخرة الخشبة، فيصعد الدلو بسرعة ودون عناء يذكر. وهكذا إلى أن يمتلئ حوض الماء المعد بإتقان، فيطلقون الماء على الفسيلات الصغيرة، عن طريق ما يعرف ب"آزلاميز" جمع"أزلموز". فتشرب هنيئا مريئا. ويفضل أن تكون هذه العملية في الصباح الباكر، أو في المساء. إذ يحبذ أن لا يكون الماء ساخنا، فهو مضر بالنخيل.

وعملية سحب الماء بواسطة (أشيلال) يقوم بها الساقي(اجباد) الذي يستعمل وسيلة إضافية تساعده في سرعة العملية، وهي أن يصعد على ظهر (أشيلال) ولد صغير يسير جيئة وذهابا، فذلك يزيد من سرعة العملية برمتها.

إن الحياض التي تجمع فيها المياه تعد هي الأخرى جزءا تراثيا مهما، ولا قوام لعملية السقي إلا بها, وتقوم صناعتها على جمع مادة: "الطين" الذي تحمله السيول إلى المدينة، فهو أصلب وأقوى مادة لحفظ الماء. ثم يقوم من يحفر مكانا قرب عين الماء، ويكون على شكل دائري، ثم يضعون مادة الطين، ويتركوا كل ذلك حتى ييبس، ثم يضعون حصيرا صغيرا منزوزا سميكا في المكان الذي يصب فيه الماء من الدلو حتى لا يتأثر كثيرا بصب الماء، ثم يبدؤون بجلب الماء بواسطة أشيلال وسكبه في الحوض، ثم إرساله إلى النخيل عبر فتحتين صغيرتين أو أكثر، وهكذا دواليك. كل ذلك في منظر طبيعي للماء، تترقرق دموعه وهو يسكبها لتظمأ تلك الفسيلات الجميلات، مع صوت رخم لتلك الآلة الجميلة وهي تهبط تارة وترفع رأسها أخرى شامخة بدلو امتلأ ماءا عذبا زلالا.

بعد أن تحفر عين الماء ويقام أشيلال ويصنع الحوض الذي يحتفظ بالماء. يقوم أهل القطعة الأرضية المعدة للغرس إلى تقسيمها قسمين: قسم خاص بغرس النخيل، وقسم خاص بزراعة الحبوب، ويعرف عندهم ب(السمسية)، وتتركز زراعتهم على نوعين هما: القمح والشعير، ويربطان بأشيلال، حيث يقول الشنقيطي: (قمح أشيلال، واشعير أشيلال). وهذان النوعان يدخلان في صناعة أطعمتهم، مثل: (كسكس، ولكسور).

أما الجزء الخاص بغرس االنخيل فهو الأوفر، وتجلب إليه الفسائل وهي صغيرة وبذكرها يسلمنا الحديث إلى ذكر أصنافها، فهناك: الحمر، سلمدينة، أبديره، الفالحة، سكانى( وهي نخلة مستوردة من مدينة وادان حيث تكثر هناك)، تنبده، أوبذ، العلفه، تجب، (وهي نخلة قليلة في المدينة وتكثر في واحة تمنيت، ويروي عنها المجتمع مرويات تراثية، مجملها أنه لا يجب الإكثار من أكلها)، لمدينه (وهي تكثر في واحة تمنيت، فهي نادرة في المدينة وأجمل الموجود منها يوجد في آبير، وكأني بها من النخيل التراثي البعيد المنشأ)، تكدرت، سمبحره، أنزر، أدقد، تنتركل، بوصكر(نخلة منقرضة، كانت موجودة في سنوات ماضية). معطل، وهو من  النخيل الجديد مثل المجاهيل الكثيرة الموجودة الآن.

وعندما يتمون كل تلك الأشغال يبدؤون بغرس النخيل، وهي عملية يجب الحفاظ عليها وإتقانها، وصورتها المعمول بها هي أن يحفروا للفسيلة ويطمرونها في التراب، ويسقونها سقاية غير ضارة ، حتى تنتعش وتبدأ في النمو وإخراج الجريد. ويستحسن في هذه العملية أن يترك بين الفسائل مسافة لا تقل عن خمسة أمتار. وهناك من يطمر الفسائل في التراب بصفة نهائية ويسقيها ويتركها حتى تخرج من التراب ثم يصنع لها الحفر(لحفر) المخصصة للسقاء. ثم يقدمون النخل إلى عامل يكترى(اجباد) بنصيب من ثمر النخيل وهو(عرش) عن كل نخلة، ويقوم (اجباد) بدور هام وهو السقي و(اسكيط) النخل أي إزالة الميت من جريده ، وينقسم إلى نوعين: جريد قوي أصيل، وآخر أضعف منه ويسمى (أسرم)، ويستعمل في بناء(أملال). وقد يقوم بزراعة السمسية في فترة الزرع. كما يقوم بتأبير النخل وهي وضع عراجين صغيرة منزوعة من النخلة المعروفة ب(أمسين) في مكانها من النخلة الأصلية. وكان وأول من أبر النخل بصنعاء هو علي مصطفى المتوفى سنة 1196ه. وهي عملية دقيقة ، ومن أضرار عدم استعمالها استعمالا صحيحا، أن تأتي الثمار غير جيدة. وهو ما يعرف عندهم ب(ألخص). وإبان فترة (الكيطنه) يبحثون عن ما يسمى ب(اطلاع) لنزع الثمر الرطب(التكلاع) وله أجرة على ذلك.

ومن عاداتهم أيضا جمع التمور الساقطة تحت النخيل بسبب هبوب الرياح أو اكتمال النضج ويدعى في عرفهم ب(لقيط الطياح). والغالب أن يتولى العملية صغارهم فهم أقوى وأسرع في إتمام ما هو مطلوب.

وبعد انتهاء فترة إنضاج النخل ، يقطعونه ثم يبدؤون بإصلاحه، وذلك بعزل الجيد منه وفصله عن الرديء . وتتم العملية بوضع التمور فوق(إيسران) داخل (إويل)، مدة من الزمن حتى يجف جفافا معتادا. وقد يحملونها إلى دورهم في أوعية مثل:(أجعمه، والكندي، ازكنيه) وينشرونها فوق أسطح المنازل خوفا عليها من الماشية السائبة.

وهناك عملية إضافية قد يقوم بها أهل الحديقة(الزريبة) وقد يتركونها للضعاف من القوم من أجل مساعدتهم، وهي عملية(اتمروين) ومجملها أن يقوم أحدهم بطلوع النخلة وإخراج ما بقي في وسطها(كلبها) من التمور، قد يقل أو يكثر حسب كثرة المحصول وتقانة من يجذ(اكطيع النخل، أو لكطيعة) العراجين(لعراش) بصفة دقيقة.

ومن تمام خدمة النخيل وإصلاحه ذر السماد(آمازير) تحته وسقيه سقيا مركزا حتى لا تفسده كثرة الأسمدة، ويصنع السماد من العظام وأشياء أخرى مهمة.

والتمر نوعان جيد وهو الذي يحتفظ به القوم ويقومون بحفظه، وأكله والتجارة به، وهو عنصر الميرة عندهم والمكون للقوافل التي تذهب إلى دولة مالي المجاورة مع ما يحملونه من البضائع مثل الملح وغير ذلك. ثم يبيعونه لشراء أغراضهم الخاصة مثل أنواع الحبوب ومثل ما يعرف عندهم ب(الجيف) وهو نوع من النسيج يبنون به بعض بيوتهم المخيطة وتسمى عندهم(البنية) التي يبنونها في الفضاء تارة وداخل الخيام تارة أخرى وهي تبنى على (إنايلن) وتصنع هي الأخرى من جريد النخل تارة أو من أعمدة الحديد وهي حديثة.

أما الرديء من النخل فتصنع منه(تاجه) وتؤكل هي الأخرى، وقد يخلطونها بزبدة الماعز فتكون على قدر كبير من التغذية.

ومن التمر بصفة عامة جيده ورديئه ينزعون النوى(لعلف) فيبقى الجيد منه ويسمونه(لمفصص) وهو غاية في الجودة ويقدم لعلية القوم. وأما النوي فيستعملونها كعلف للحيوانات حيث تعطى لهم بعد دقها وجعلها في الماء فترة وجودها في الرعي حينما تعود يقدم لها وهو جيد لألبانها ومفيد لأجسامها.

مراحل نمو النخلة

إن للنخلة مجموعة من مراحل النمو تمر بها في حياتها الطويلة، فحينما يغرسونها تكون فسيلة صغيرة تدعى (التنقلايه)، ثم تنمو لتكون (أنكم)، وتتدرج إلى أن تصل إلى مرحلة(آكجول، تاجولت)، وبعدها تكون نخلة كبيرة تامة النضج. وحينما تشيخ النخلة وتطول لتصل إلى مرحلة(أمندور، جمعها آمنادير) فعندها تصعب الاستفادة منها بل قد تكون منعدمة، وساعتها يعمد ربها إلى الإطاحة بها وتقسيمها إلى مجموعة من جذوع النخيل تعرف ب(إزقران).

مراحل نمو التمور:

تمر التمور بمراحل مهمة قبل أن تصل إلى النضج المطلوب، فبعد أن يخرج العرجون(العرش، ويتفرع إلى التجرراتن، التي تحمل بدورها البلح) من الجزء الذي يحتوي عليه، والمسمى عندهم ب(أفنق)، يمر بمرحلة أولي هي (الزية) ثم تنمو لتصل إلى درجة (تسرست) ثم (يقن) لتصل مرحلة(ألابوج، تفجن)، ثم تتجاوزه إلى مرحلة البلح(لبلح) ذي اللون الأخضر، ولن يمضي وقت طويل حتى يتغير لونه ليصل إلى وضعية(التبونيش)، ليتجاوزها إلى مرحلة(أنجاي) ذي اللون المتغير حسب نوع النخلة، فقد يكون أصفر، أو أحمر، ثم يصل النمو إلى الدرجة الموالية وهي(آمنكر)، ولن يطول الوقت حتى نصل إلى صفة(آمزرقداي)، وهي درجة نصف التمر ونصف(آمنكر)، ثم (التدرمي) وهي المرحلة الأخيرة قبل أن نصل إلى النضج التام للتمر(التمرة).

_ وسائل الحفظ

اصطنع أهل شنقيط وسائل متعددة لحفظ تمورهم، فمن ذلك ما يعرف ب(الشنه) وهي جلد قديم للماعز يملؤونه من التمر فيحفظ لمدة طويلة. كما يحفظونه في(الدلو) الذي لم يعد مستعملا، وفي وعاء اللبن المسمى عندهم(الشكوة). ذلك هو التمر (المبلول) أما التمر(اليابس) فيوضع في أوعية أخرى أقل تعقيدا مثل (الخنشه). ويضعون (الشنن) في (التيزياتن) حينما يظعنون إلى البادية حرصا عليها وحفظا لها من أجل استعمالها في الوقت المناسب، حيث أن القوم كان اعتمادهم في غابر الزمان على تلك التمور من أجل البقاء على الحياة. وقد يجمعون التمر اليابس فيما يسمونه(لكلايد)، تعطي للأبناء الصغار فيحملونها في رقابهم ويذهبون للعب وكلما جاع الولد أكل منها, ويقدمها البعض للبعض الآخر بمناسبة المجيء من الكيطن وتسمى عندهم ب(لفروح).

صناعات التمور

كانت المحاصيل من تمور المدينة تعطي لصاحبها مكانة اجتماعية كبيرة وكلما كثرت اعتبر صاحبها ثريا من أثرياء المدينة. وإذا كانت مادة التمور صالحة لكل ما يحتاجه الشنقيطي، فإنها أصلح ما تصلح له هو الصناعات التي جربها أهل شنقيط واستخلصوا منها مواد نافعة للمعيشة وللصحة البدنية.

الرب: وهو المادة التي يحفظ بها السمن في (العكة). ويكون ذلك بأخذ التمر ثم يتم غليه غليا شديدا حتى يختلط ثم يعصر منه عصير حالك، ذاك هو (الرب)، ويترك الباقي ويسمى عندهم(لعثم). والعكة تؤخذ من جلود الغنم الصغار وتعالج معالجة حتى تصح، ثم تُمْلَؤُ بالرب، فتكون لها رائحة طيبة، وبعدها يصب فيها السمن(الدهن) فتكون أحفظ له من غيره. وصناعة(الدهن) تكون بأخذ زبدة الغنم وإذابتها حتى تغلي ثم يجعل عليها شيء من الدقيق فينفصل السمن عن الدقيق ويزال، ثم يوضع في العكة، ويبقى الدقيق المعروف عندهم ب(عيش الذوابه)، يؤكل وهو نافع بإذن الله.

لكتل: وهي صناعة خاصة للتمور حيث تدق النوعية اليابسة، ويذر عليها دقيق الشعير المشوي، فيكون طعمها لذيذ ذو نكهة خاصة يعرفها أهل المدينة وتعتبر تراثا خاصا بهم.

وتدخل العناصر المكونة للنخلة في عدة صناعات محلية وهي:

جريد النخل ويصنع منه (التبراتن) يجلس عليها أهل شنقيط، تحملهم عن الأرض، وخاصة في الفترة التي ترتفع فيها دراجات الحرارة، كما تحملهم عن خشاش الأرض مثل العقارب وغيرها. وصناعتها تكون بوضع مجموعة من المربعات (أقلاقه) مترابطة فيما بينها، تخاط بسيور من جلود الإبل المصنوعة خصيصا ثم تترك حتى تيبس، ثم تخاط فوقها حصير من الجريد حتى تتكامل، ثم تترك فترة من الزمن في الهواء الجاف، وبعدها تكون جاهزة للاستعمال. كما يدخل(الجريد) في صناعة الحصائر التي يصنعها أهل شنقيط ومن أنواعها:( أم لبطاح، ولحصيرة الحمرة، أم سيرين سيرين، اتاسارت، وهي حصير صغير). كما يستعمل في صناعة الحظائر(أملاله) التي تجلب الدفء إلى النخيل وتبعد الماشية السائبة وغيرها. وينضم إلى صناعة (إيسران) التي ذكرناها سابقا.

  سعف الجريد، وهو الذي تخاط به (الطبكه، واللواف) وتصنع منه (الدوخله) وهي وعاء صغير يحمل فيه التمر وخاصة في بداية ظهوره.

 العراجين( اسيوف النخل) ومنها تصنع (أوسطان) التي تكثر في أبنيتهم وخاصة في السقوف. كما يوضع واحد منها في المكان الذي يسكب فيه الماء عند حاشية الحوض. ومنها يصنعون أيضا(ازكنيه، والكندي، واجعمه) المعروفة كوسائل لحمل التمور من الحدائق وحفظها. ومنه أيضا يصنع(الطبك، واللافه) وهي أوعية تستعمل في تغطية الموائد، وصناعة (الكسكس) الذي يعتمد في صناعته على(الطبك). ويغطى وعاؤه(المفرد) ب(اللافه).

4- جذوع النخل(إزقران) وهي اعتمادهم في سقوف المنازل، كما تستعمل في صناعة (أشيلال). وهي جزء تراثي أصيل في بناء مراحيضهم حيث يتم رصها بصفة دقيقة لا مثيل لها فيما أعلم.

5- (آفكام) وهو ما ينبت تحت (الكرناف) المكون لجذع النخلة وحينما يسقط من النخل يتناوله العاملون في نزع التراب من عين الماء فيسد به تلك العيون التي تقذف بالتراب داخل العين فتمسك عن ذلك، وهي عملية دقيقة لا يتقنها إلا المتخصصون. ويستعمل أيضا(أفكام) كحافظ للنعناع الذي يحضره رب الحديقة حينما يكون عائدا منها في الصباح الباكر، حيث درجوا على الذهاب باكرا والعودة بعد حين إلى منازلهم، حاملين ما هو نافع لهم أو لمواشيهم.

6- الكرناف، وهو ما ذكرناه سابقا ويدخل في إذكاء النار التي يوقدونها من أجل تحضير أطعمتهم، فهو حطب إضافي عند أبناء شنقيط.

أمراض النخيل وآفاته

وللنخيل أمراض تفتك به وتطيح بمعظمه، وهي تكثر وتقل عبر الزمن. فمنها ما يصيب النخلة ومنها ما يصيب الثمار، فالذي يصيب النخيل هو:

1- تاقاقت: وهي عبارة عن ديدانات صغيرة تدخل جذوع النخيل فتنخره حتى تطيح به. وهي أشد الأمراض، لأنها قد تكون هي الوحيدة التي تقتل النخيل.

أما الذي يصيب الثمار فهو:

2- تاكه: وهي مرض يصيب النخيل فيظهر على ثماره التي تبدو متغيرة وغير ناضجة نضجا صحيحا، فترى التمور متصفة بصفة داكنة، وقد خُنقت في مهدها.

ومن آفاته ما يلي

3- ألخص: وهو مرض يصيب النخيل فيظهر كذلك على ثمارها وهو مثل (تاكة) يضعف الثمار فتبدو هزيلة غير ناضجة، إلا ما قل منها. وتدعى الثمرة الناضجة ب(تمرة ألخص). بينما يبقى الآخر الذي ينضم إلى ما يعرف عندهم ب(تاجه).

4- لبخينيس، وهي آفة تظهر في النخيل على شكل حيوانات صغيرة بيضاء تتكاثر وتظهر على الجريد، والعراجين، وحتى على الثمار نفسها، فتقلل من جودتها.

ويشكو أهل النخيل عادة من:

5- كثرة الظل: ولذلك كانوا يباعدون بين النخيل حتى يأخذ الكفاية من الشمس، وكلما دخل تحت الظل أصابه ضعف وقلة إنتاجية، فلا مناص من إزالته وغرسه في مكان آخر.

يبادل أهل شنقيط بالبحث عن ما يداوون به نخيلهم في حالة المرض. فمن الأدوية النافعة عندهم، حرق النخلة إلى درجة معلومة بعدها يطفؤون النار، ثم يتركونها مدة فيزول المرض ثم تسقى فتعود إلى طبيعتها.

إن من تقاليد أهل النخيل ذات المنظور الأسطوري ما يسمى ب(العينصاره) وهي اليوم الذي يظهر فيه أوائل التمر في النخيل، فيتطلع الشنقيطي بعدها إلى نخيله، بحيث يبدأ الاستعداد لما يسمى ب(الكيطن) وهي موسم المعيشة في النخل وأكل ثمره، ويكون ذلك عند الغداء وعند العشاء، وعند بعضهم يكون أكل التمر بعد صلاة المغرب وشرب الحساء(انْشَ) الساخن. وهو تقليد مهم عندهم، يتبادلون أطراف الحديث ويتسامرون حتى تنتهي عملية صنع الشاي المكملة لذلك التقليد التراثي المعلوم لديهم.

إضافة تعليق جديد