موريتانيا والإرهاب / السلطان البان

منطقة الساحل وغرب إفريقيا تحتل دائمًا المؤشر الأعلى من حيث الهجمات الإرهابية حول العالم، حققت موريتانيا شوطًا مهمًا في مكافحة هذه الظاهرة السيسيلوجية المعقدة، بعد هجوم 2005 الذي شنته الجماعة السلفية للدعوة والقتال على ثكنة عسكرية في -لمغيطي-، سقط فيها 15 جنديًا لتبدأ سلسلة هجمات نفذها إرهابيون في مناطق متفرقة من البلاد، وكان أكثرها دموية هجوم -تورين- الذي أسفر عن قطع رؤوس 12 جنديًا، بعد هذا الهجوم الفظيع راجعت موريتانيا حساباتها الأمنية و اعتمدت إستراتيجية جديدة قوامها الحوار و الرهان على إعادة التأهيل الفكري والأيديولوجي لمحاربة التطرف.

 

إضافةً إلى عنصر التنسيق الأمني مع دول الجوار و الدعم الغربي و اليقظة الدائمة التي تعتمد على العنصر الاسستخباراتي استعدادًا لأي هجوم محتمل، و يبدو أن هذه الخطوة ساعدت بدرجة كبيرة في تقليص دائرة الهجمات الإرهابية، لدرجة أن مسؤولًا أمريكيًا بحجم -أنتوني بلينك- أشاد بحفاظ موريتانيا على أراضيها خالية من أي هجوم إرهابي منذ العام 2011 رغم تزايد المعارك الجهادية في دول الجوار.

 

 تدهور الأوضاع السياسية تدهورًا دراماتيكيًّا في منطقة الساحل و ارتفاع مؤشر الإرهاب إلى نسبة 48% في هذه المنطقة خلال السنوات الخمس الأخيرة، مكّن الجهاديون من تنفيذ عمليات متعددة في الجارة مالي؛ ما زاد احتمالية وقوع هجمات في موريتانيا، لكن السلطات الموريتانية في عهد الغزواني لم تتخذ أي إجراءات أمنية على سبيل الاستعداد و اليقظة التي كانت تفرضها الاستراتيجية المتبعة سلفًا، رغم وجود سجناء خطرين في السجن المركزي بنواكشوط.

 

لم تقم الحكومة بخطوة إصلاحية في مجال التأهب من ناحية بناء الجيش عتادًا عسكريًّا لوجستيًّا، رغم الميزانية الهائلة، ظل الإهمال سيد الموقف؛ المنشآت العسكرية قديمة، النظام الإداري ضعيف، غياب تام للمراقبة الأمنية للسجناء السلفيين الذين يصل عددهم إلى 17 سجينًا، يوجد من بينهم من يصنف على أنه الأخطر في المنطقة، هذا التغاضي و الإهمال شكّل خطورة كبيرة، إذ يسهل إدخال الهواتف إلى المساجين، كما انتشرت ثقافة الرشوة بين أفراد الحرس و بيع المخدرات داخل السجون حسب تصريحات أفاد بها مساجين، هذا ما يفسر دخول السلاح إلى السجناء السلفيين الذين تمكنوا مساء الأحد من تنفيذ عملية الفرار التي استشهد فيها عنصران اثنان من الحرس الوطني، إضافة إلى إصابة اثنين آخرين بإصابات وصفت بالخفيفة.

 

تعامُل النظام الحالي مع عملية التتبع للسجناء السلفيين هي أيضًا دليل آخر يمكن أن نستند إليه لتفسير صيرورة الأحداث الأخيرة، لم تستطع وزارة الداخلية رصد مشاهد مصورة لعملية الفرار رغم تدشين الغزواني في يوم 6 ديسمبر 2022 لنظام الأمن والمراقبة العامة لمدينة نواكشوط، غياب عنصر الصورة صَعّب من تتبع خيوط السلفيين الفارين؛ الأمر الذي سيطيل عملية البحث، التي كلما طال عمرها نجح الإرهابيون في الابتعاد من العاصمة.

 

تَمكُّن السُّجناء من الفرار بهذه السرعة أيضًا، ولجوء السلطات الأمنية الموريتانية إلى خطوات بدائية، مثل: قطع شبكة المحمول، توزيع أرقام على المواطنين للإبلاغ عمّا ترصده العيون، هو مؤشر واضح على عدم تمكن القوات المشتركة التي تلاحق الفارين من معرفة وجهة السلفيين، أحرى بإلقاء القبض عليهم، على الأقل في الوقت الراهن، و أعتقد أن اختفاء السجناء بهذه السرعة يرجح فرضية دعم لوجستي خارجي حصلوا عليه، هذا طبعًا يزيد نسبة الخطورة الأمنية في البلاد، سواءً داخل نواكشوط و خارجها، لذلك علّقت بعض السفارات الغربية في العاصمة خدماتها مؤقتًا، كما جاء بيان لوزارة الخارجية البريطانية يحذّر رعاياه من البقاء في المناطق العامة، لأن احتمال حدوث تهديد أمني وارد جدًا ما لم يتم القبض على الفارين.