التجربة الموريتانية في التناوب على السلطة مكسب ام خدعة ؟ / محمد اعليوت

عبر تاريخنا القصير نسبيا ظلت الجمهورية ترنو الى حضنها الديمقراطي المطلوب بلهفة منذ اتخذ قرار تأسيس الجمهورية الاسلامية الموريتانية على الارض السائبة البكر على النظام الجمهوري الوافد شكلا ومضمونا ، فلقد حاولت مجموعاتها تأسيس نظام محلي عرف بالنظام الاميري تميز بكونه النظام المحلي الوحيد الذي نشأ وترعرع ونفذ عليها وقد عاق استمراره احتدام الصراع على الامارة فهي المصدر الوحيد لكسب الاحترام ولتأكيد النبل ولحماية العرض والارض و الممتلكات .

ومنذ قيام الجمهورية بالحزب الواحد وجوّالة الوطن الذين إطلعوا على احوال العالم يطالبون بنظام ديمقراطي تعددي تمثل احزابه طموح ومطالب شعبه المشروعة وعلى رأسها الحرية والعدل والمساواة و تشجيع المواطنة وترسيخ الوطن كحاضن وحيد لشعبه وكجزء من منظومة الكون الذي وجد داخله .

داخل هذ الوطن المعرف عندنا بالجمهورية الاسلامية الموريتانية رغم ثقل وقع الاسم الذي خففت حدته صفة الدين وحفّزه نظامها الجمهوري حتى تقبله البسطاء والوسطاء والعملاء و العلماء والعامة ، داخل هذ الوطن ظلت احاديث الساسة تتحاشى مصطلح التناوب و إن ذكرته تذكره بخجل وعجل على وجل حتى افضى آخر تحديث عندنا لرأس النظام بتناوب اصر فيه الرئيس المنتهية مأموريتاه على الخروج رغم ما قام به فريق الأغلبية من محاولة تمديد المأموريات واختراق الدستور ، فقام الرئيس المنتخب في الشوط الاول على مدى مأموريتين بترشيح اقرب المقربين له لخلافته ولترأس الجمهورية وقد قاد حملته بنفسه وساهم في كسب النجاح لمرشحه في الشوط الأول ويكون بذلك هو اول رئيس منتخب يحترم مدد الماموريات ويخرج من القصر وحتما لم يكن في حسبانه انه خارج الى الاسر .

اذا نجحت اول تجربة وطنية خالصة على التناوب السلس الديمقراطي على السلطة واهتزت جدائل الجمهورية طربا وتغنت افواه القوم بالتجربة النموذج في عالمنا العربي على الاقل وودع الرئيس الفائز الرئيس المنصرف وجرت عملية التسليم في يوم مشهود لا تزال وقائعه وشهاداته دون روتوش ودون تغيير ، فالفريق يثمن نجاح التجربة ويعتز بتوفيق قادتها في ادارة العملية حتى استلم الرئيس الفائز مقاليد السلطة واستلم بلدا يكافح من اجل التغلب على معوقات التنمية وفرض العدل وترسيخ المساواة من اجل ان ينعم الشعب بحقه في الامن والعيش الكريم وحرية التعبير ، فهل استمر الخلف على هدي ونضال وكفاح السلف ؟ ام ان التبادل السلمي على السلطة لا يضمن لأصحاب توقيعه وتنفيذه السلامة من الانتقام عند البعض ونشر الغسيل عند البعض الآخر ...؟

مما لا شك فيه ان الرئيس الخارج اثر عملية التناوب السلمي الفريدة والوحيدة في الوطن ترك خلفه بلدا واعدا مكابرا يواجه الواقع ويصحح الاخطاء بهدوء ودون ضجة او استغلال لأخطاء ابناء الوطن الذين قبلوا التوبة والتكفير عن اخطائهم ولا شك انه ايضا يقبع حاليا في سجن انفرادي يصف المدافعون عنه سجنه بالتعسفي الخارج عن القانون والمنتهك لدستور الجمهورية ولا شك ان خلفه صرح ان الملف لا يعنيه وهو الرئيس الاعلى للقضاء وحامي الدستور والضامن لانتظام سير مؤسسات الجمهورية ولك عزيزي القارئ ان تحكم على التجربة الوطنية التناوبية السلمية على السلطة من خلال واقع ابطالها ومن خلال واقع الجمهورية نفسها وهل هي مناسبة تستحق الترسيخ وان يحتفى بها ام انها خطأ ارتكبه الرئيس السابق وموعظة لكل الرؤساء الحالمين بعواقب انتقال سلمي لسلطتهم ، فواقع الرئيس المعتقل ناقوس خطر على اهم مميزات النظام الديمقراطي وعلى اكثر وسائل استمراره امانا وأمنا وهو التناوب السلمي السلس على السلطة